شاهدوه ، وليستدلوا بذلك على ان الثواب من الله تعالى ذكره على ضربين استحقاق واختصاص ، ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه ، ولا فقيرا لفقره ، ولا مريضا لمرضه ، وليعلموا انه يسقم من يشاء ، ويشفي من يشاء متى شاء بأي سبب ، ويجعل ذلك عبرة لمن شاء ، وشقاوة لمن شاء ، وسعادة لمن يشاء ، وهو عز وجل في جميع ذلك عدل في قضائه ، وحكيم في أفعاله ، لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ولا قوة لهم إلا به» (١).
ثم في (إِذْ نادى رَبَّهُ) تلميحة أنه ناداه استرحاما تربويا كما يراه الرب صالحا دونما اقتراح عليه أمرا ، إلّا (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) هنا و (أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) في الأنبياء.
و «نصب» هي مختلف التعب «وعذاب» فوق التعب وقد عبر عنهما في الأنبياء ب (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ).
وقد يعم ضرّه الدعاية على رسالته تذرعا إليها بمرضه وذهاب ماله وولده ، وذلك صورة عامة عن السيرة الرسالية لسائر المرسلين : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) (٢٢ : ٥٢).
وقد يعني النصب سائر أتعابه الظاهرية ، و «عذاب» هو العذاب الروحي حيث كان الشيطان ينفر خلصائه القلائل وحتى زوجه الحنون ، فيؤذيه ضلالهم أشد مما يؤذيه ضره!
إن الله تعالى عافاه بمغتسل بارد وشراب فور دعائه ، لا فحسب ، بل :
__________________
(١) تفسير البرهان ٤ : ٥٣ ـ ابن بابويه القمي بسند عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام).