ولان النبأ هو خبر ذو فائدة عظيمة ، فما أعظم عظيمه ، ولكن حماقى الطغيان هم عنه معرضون!
ثم (إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ) يحصر كيانه الرسالي في الإنذار كتكليف عام للرسول بالنسبة للعالمين أجمعين ، وكونه بشيرا يختص بمن يتأثر بالإنذار.
إذا ف (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) تخلّ له عن علم الغيب إلّا ما يوحى إليه : (إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ).
(بِالْمَلَإِ الْأَعْلى) نجده هنا ، وثانية في الصافات : (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ)(٨).
ولأن «الأعلى» هنا أفعل مطلق ، فملأه أعلى بصورة مطلقة مكانة أو ومكانا ، وهم أمناء الوحي تكوينا وتشريعا من الكروبيين.
فقبل أن ينزلوا الوحي من قبل الله على الرسول (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى) ولكنه يعلم بما يوحى قدر ما يوحى ، أترى ذلك الملأ أعلى حتى من الرسول الذي (دَنا فَتَدَلَّى. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى)؟ كلّا! حيث الأعلى مكانا ليس هو الأعلى مكانة ، والرسول وهو (أَوَّلُ الْعابِدِينَ) لا ريب أنه أعلى من كل أعلى إلّا ربه الأعلى!
ولأن الرسول ليس ملأ كشخص ، ف «الملأ الأعلى» غير مفضلين عليه ، إلّا على سائر الملإ ، وحتى إذا كان ملأ فهو مستثنى عن مطلق الأعلى.
وترى فيم كانوا يختصمون؟ قد يكون هو الاختصام في خلق الإنسان : (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ...) ولكن اين هنا الاختصام إلّا بين إبليس وربه؟ وليس الرب من الملإ ، ولا إبليس من ملاء عال فضلا عن الأعلى.