أتراهم لم يكونوا يوم الدنيا الفراق بارزين لله حتى يبرزوا له يوم التلاق؟ اجل ولكنهم لم يكونوا بارزين لأنفسهم ولا لمن سواهم إلّا من شهد ، فخيّل إليهم أنهم مستورون حتى من ربهم ، وأما اليوم فقد كشف الغطاء فبرزوا عن مثلث الغطاء ، فزال الخيال أنهم مستورون عن الله (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) عندهم ، كما لم يخف على أية حال! (بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) (٦ : ٢٨) (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) (٦٩ : ١٨) لأنه (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) ويوم (حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) كما وكان لهم الملك يوم الدنيا ابتلاء وامتحانا مهما كان حقه لله ، ويوم التلاق (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ)! حيث يتضاءل المستكبرون وينزوي المتجبرون ، ويقف الكون كله خاشعا لله في ذل إعلانا وإسرارا ، مهما خشعت له يوم الدنيا إسرارا.
في يوم التلاق هو الملك لا سواه ، وهو السائل والمجيب لا سواه ، اللهم إلّا إجابة الأنبياء والرسل والحجج (١) ومن ثم إجابة أهل الحشر كلهم إذ تبين لهم انه الحق (٢).
أم إنه في موقف لا مجيب فلا جواب إلّا لله حيث «يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه ، كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها ،
__________________
(١). راجع ج ٢٧ الفرقان ص ٤٦٤ ففيه تفصيل البحث عن الآزفة.
(٢) نور الثقلين ٤ : ٥١٤ ح ٢٥ في كتاب التوحيد بسند عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال حدثني أبي عن أبيه عن جده عن امير المؤمنين (عليه السلام) في ا ب ت ث انه قال : الالف الاء الله ـ الى قوله ـ : فالميم ملك الله يوم لا مالك غيره ويقول الله عز وجل لمن الملك اليوم ثم تنطق أرواح أنبيائه ورسله وحججه فيقولون لله الواحد القهار.