لا يعقل حينما يكون العمل هو الجزاء ، إلّا أن يجعل من العمل المحدود اللّامحدود من نفسه أو من ملكوته (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).
وأما اللّامحدود من جزاء الصالحات فهو قضية الفضل ، لا ـ فقط ـ ظهورها بملكوتها ، فإنها محدودة في أصلها وفي جزائها بملكوتها عدلا ، ولا محدودة بفضل الله (عَطاءً (١) غَيْرَ مَجْذُوذٍ)!
(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ)(١٨).
(أَزِفَتِ الْآزِفَةُ. لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ) (٥٣ : ٥٧)(١).
«وأنذرهم» أهوال يوم القيامة «الآزفة» : القريبة ، فإن كل آت قريب وقد مضى من عمر الدنيا كثيره البعيد ، فلم يبق إلّا الآزف القريب ، (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) لأن الأنفاس خنقتها من الهائلة ، فأنفسهم ـ إذا ـ آزفة الزهوق عند الآزفة ، وكما في الحرب يوم الأحزاب (إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ)(١٠) ، «كاظمين» في شدة الاغتمام ، ويزيد كظما من ظلم ف (ما لِلظَّالِمِينَ) إذا «من حميم» قريب بحميهم بحمّة القرابة وهمتها (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ) (٢٣ : ١٠١)(وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) مهما كانت هنالك شفعاء لا تطاع!.
إن القيامة الهائلة بنفسها منذرة ، فكيف إذا كانت آزفة زاحفة ، فالأنفاس يومئذ لاهثة ، والقلوب لدى الحناجر زاهقة ، وما لهم من حمّة ولا شافعة.
(يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ)(١٩).
__________________
(١) راجع ج ٢٧ الفرقان ص ٤٦٤ ففيه تفصيل البحث عن الآزفة.