يفكر فيما يرى إذ (ما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) فكل ما يراه ويعمل هو هدى ورشاد ، وكل ما يراه ويعمله غيره هو ضلالة وفي غير سداد ، لا يسمحون لأحد ـ أيا كان ـ أن يظن أنهم خاطئون ، ولا أن يرتإي إلى جوار رأيهم رأيا! وهذا هو معنى الطاغوت أن يجمع بين طغواه على الله وعلى عباد الله!
ذلك الاستبداد الأحمق باطل أينما كان ، وفيمن لبس ملابس الايمان وظهر بمظهر الإمام للمؤمنين ، يستبد برأيه ويأخذ هو برهانه دون برهانه ، سنادا إلى اجتهاده ، سدا لباب العلم ، وصدا عن اي حوار قد يخالفه فيما يرى ، وهكذا استبداد طريق الجحيم.
لا يحق تأصيل الرأى واستئصال ما سواه من رأي ، إلّا ـ أولا ـ لله وبرهانه معه ، وكل قوله وفعله برهان ، ثم لرسل الله صدورا عن الله ، ومن ثم للمعصومين من خلفائهم حيث يصدرون عنهم ، ونراهم كيف يواجهون الشعوب بكل تواضع ، وقد يظهرون أنفسهم معهم مظهر المشاورين ، وليوجهوهم إلى ما هم عليه من حق الوحي ببرهان لا قبل له.
نرى الداعية ينتقل إلى بيان مثال لبأس الله بعد أصل التحذير ، دون أن يرد على شخص الطاغية كأنه عديم الوجود ، ولأنه لم يأت ببرهان حتى يرد عليه :
(وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ)(٣١).
هناك (إِنْ جاءَنا) يدخل نفسه فيما يجوز مجيئه ، وهنا (أَخافُ عَلَيْكُمْ) حيث المؤمنون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ولأنه أمر واقع لا