آمن به السحرة ، فقتله إذا يزيد في حياته ، وعلى أية حال «منعته رشدته» (١) سياسيا أو مذهبيا.
واحتمال آخر في «ذروني» أن لم يكن هناك من يمنعه إلا تأجيلا ليتضح أمره ، فإنما كان يخاف من قتله بما رأى من آيات صدقه ، ومن عدم قتله انه يفشّله في قومه كيف لا يسطع على سلطته أن يقتل موسى ، فجمع بين الأمرين في قولته الماكرة (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) حتى لا يقال إنه ما تجرأ على قتله ، وإنما منعه مانع ، وردعه رادع من أهل نصحه وحاشيته!
وقد يلمح تلاحق «اقتلوا وذروني» أن فرعون كان يرى قتل موسى والذين آمنوا معه جميعا ، فتكا بالرسول والمؤمنين استئصالا لجذور هذه الرسالة ، واستهزاء بربه (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) فإن كان ربه قويا فلينجه في ذلك الصراع ، ولماذا (أَقْتُلْ مُوسى) لأنه يسعى في الأرض فسادا ف (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) إلى دينه وهو أصل الفساد (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) تشكيكا في دينكم ، واختلافا بينكم وتخلفا فيكم.
ومن الطريف جدا حجة فرعون في ذلك التصميم الفاتك ، وهو مكرور عبر الأجيال المتفرعنة أمام المصلحين على توالي الزمان ومختلف المكان ، أن يظهر الباطل الكالح في مظهر الحق الصالح ، ويظهر الحق في مظهر المفسد الطالح ، ليستجيش مشاعر الشعب المستضعفين ضد الداعية المصلحة ، المطالبة بحقهم من المستكبرين
ترى بماذا يواجه موسى هذه الطاغية؟ إنه يواجه شعبه المحطمين المستغفلين بكلمة الحكمة :
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ٥١٨ في كتاب علل الشرايع باسناده الى إسماعيل بن منصور أبي زياد عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول فرعون : ذروني اقتل موسى «ما كان يمنعه»؟ قال : منعته رشدته ، ولا يقتل الأنبياء ولا أولاد الأنبياء الا أولاد الزنا.