(وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) (٢٧)
يستبدل قولة فرعون (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) ب (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ) لكيلا يخيّل إليهم أن ربه غير ربهم بل هو واحد لا شريك له رغم مزاعم المشركين ، ولكي يعطف بهم إلى العوذ بربهم ممن عاذ به موسى ثم يعمم الاستعاذة (مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) حيث لا تختص من فرعون ، وهناك فراعنة عدة! ودرجا لفرعون إدراج سائر المتكبرين دون أن يحسب له حسابه الخاص ، تذليلا لسطوته ، وكسرا لنخوته ، يظهر كأنه لم يسمع قولته ، ولم يأهله للمخاطبة ، ولا التحدث عنه بشخصه أمام الشعب ، وما ألطفه حجاجا صارما أمام الفرعنة الجبارة ، وما أعطفه للشعوب المستضعفة!. ف (كُلِّ مُتَكَبِّرٍ) لبس رداء الكبرياء من دون حق ، ويزيده كبرياء وعتوا أنه (لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) أنه لا حساب في قولته وفعلته ، فهو يعيش الفوضى اللّاحساب ، على حساب الكبرياء والجبروت.
ثم المضيّ في «عذت» مؤكدا بالتأكيد الخاص «إني» مما يطمئنهم أن ربه وربهم يعيذه من كل طاغية ، كما أعاذه منذ ولادته ، ثم ترعرعه في حجر فرعون ، ثم قيامه برسالته ، فذلك منه ـ إذا ـ ملحمة غيبية تعدّ في عداد آياته البينات وكما قال الله (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) ولحد الآن نرى غلبه على فرعون دون أن يصل إليه ، حتى أصبح ملأ فرعون يمنعونه عن قتله وهم تحت سلطته وجبروته!
فيا لداعية الحق من سلطان لا يغلب أمام فرعون الطاغية ، وهو صفر اليد عن كل عدّة مادية وعدّة ، ولا يملك إلّا عوذة بالله أن ينصره على عدوه كما وعده (أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ).