ولقد جرأ موسى بحجته الصراح مؤمنا يكتم إيمانه حتى أبرزه مناصرا صارما لموسى الرسول (عليه السلام) :
(وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)(٢٨).
هذا الرجل نعم الرجل كل الرجل ، وقد يحق له أن تسمّى السورة به «المؤمن» إذ أصبح ركن الدعوة المناصرة للرسالة الموسوية ، حيث انتدب في هذه المعركة الصاخبة الدموية ، انتدب يدفع عن موسى ويحاج فرعون وملأه بحجج ناصحة ناصعة ، سالكا فيه مسالك ومعرّضا نفسه لمهالك.
(وَقالَ رَجُلٌ) لا يسمّيه حيث الأصل في تبنّي الشخصيات هو الرجولات بسماتها وبصماتها دون الأسماء ، فسواء أكان الرجل نبيا (١) أم سواه ، قبطيا (٢) أم سواه ، فالمحور الرئيسي هنا رجولته بإيمانه : (مُؤْمِنٌ مِنْ
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ٥١٩ ح ٤٢ في امالي الصدوق باسناده الى عبد الرحمن بن أبي ليلى رفعه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الصديقون ثلاثة حبيب النجار مؤمن آل ياسين الذي قال (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ...) وحزقيل مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو أفضلهم.
أقول : حزقيل كان نبيا إسرائيليا فلم يكن من آل فرعون ، ولو كان هذا الرجل نبيا أيا كان لكان مذكورا بسمة النبوة فإنها أعلى درجات الإيمان ، والنبي لا يكتم إيمانه إذ لا تقية للأنبياء ، ثم حزقيل ولد بعد موسى بقرون ، فمن المستحيل إذا كونه (رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ)!
(٢) المصدر ح ٤٠ في عيون الاخبار في باب ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين العترة والامة وفيه قالت العلماء فأخبرنا هل فسر الله الاصطفاء في الكتاب؟ فقال الرضا (عليه السلام) فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا ـ