ما عبدنا ، وان كان هناك حساب فنحن الناجون وأنتم الهالكون ، وهذه حجة أخيرة على من لا يصدق البينات.
ثم المشكوك في دعوى النبوة ـ إذا لا يملك حجة على صدقه وأنت لا تملك حجة على كذبه ـ لم يصح تكذيبه والفتك به إلّا في أصل النبوة إذ لا تصدّق إلّا ببيناتها ، وقد ملكها موسى بتسع آيات ، وأما فيما يخبر به من أخطار مترقبة فالحائطة العقلية تقتضي ترتيب آثار صدقه ، وهكذا تكون أنباء الأنبياء إنذارا عما يعدون.
فكيف يجوز قتل موسى الرسول (أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ) ثم كيف يجوز قتله (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) ـ ومن ثم ف (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) سواء أكان مدعي النبوة وأنباءها الغيبة ف (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) أم مكذب النبوة على بيناتها الصادقة ف «إن أخذ ربك لشديد»! ومن طريف هذا الحجاج تقديم احتمال الكذب للنبي سدا لعجالة التكذيب إن قدّم احتمال الصدق ، وكما يقدّم الترديد لداعية الحق (إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) دون «أنتم أو نحن ...» وهذا منتهى النصفة في الحجاج أن يقدم المحاور لنفسه أسوء الاحتمالات ثم يردها بلطف دون عنف.
وهذا منتهى المطاف في حجاج النبوات لمن لا يصدق أيّة بينات ، أننا نفرض ـ على استحالة ـ كذب صادق النبوة فيما يعد للأخرى ، وحتى مع التغامض عن نبوته ، فقضية الاحتياط ـ إذا ـ ألّا يكذّب فضلا عن قتله ، حجة يقبلها كل ذي مسكة وحتى ذي جنة ، ولكن حماقى الطغيان ليسوا ليصدقوا أية حجة (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ).