جَبَّارٍ)(٣٥).
«يوسف» هذا هو المعروف المسماة به سورته ، اللامعة ثورته ، وهذه الآية هي الفريدة تدليلا على رسالته السامية قبل موسى وكأنه (كانَ رَسُولاً نَبِيًّا)(١) رفيع المنزلة في رسالته ، يتلو تلو من دارت عليهم الرحى وعلّها قريبة إلى موسى زمنا كما تلمح له (لَقَدْ جاءَكُمْ) وقد عرفنا من سورته أنه بلغ في ثورته مبلغ الملك أم كبير وزراءه ، وعلى أية حال حصل على مكانة عظيمة في مصر حد كان له عرش (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) وهو ـ على جمعه بين السلطة الروحية والزمنية ـ (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ) ومعه بيناته في سلطتيه ، واستمر التشكّك (مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ) مات عن رسالته على حالته (قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) استراحة لموتته وارتياحة لهلكته ، فانطلاقة عن الشك في رسالته إلى تاكّد من انقطاع الرسالة : (قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) ف «لن» هذه كانت كامنة في قلوبكم متحولة إلى شك لردح السلطة الكائنة ، ثم تحولت إلى ما كانت ، فأنتم أولاء الحماقى الصّلتين الصّلدين في الكفر و (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) يرتاب في البينات ويسرف في ارتياب ، ومن خلفياته أن يضله الله ختما على قلبه.
(الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) إبطالا لها وإخمادا لنائرتها (بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ) أيا كان وأيان «كبر» ذلك الجدال الإبطال (مَقْتاً عِنْدَ اللهِ) لبينات آياته حين تكذّب بغير سلطان (وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا) حين تكذّب على علمهم وبمحضرهم (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) فلا فسحة لقلبه ولا مجال لنور المعرفة ولا شطرا قليلا ليصبح منفذا لرؤية الحق حيث
__________________
(١) «المصدر ح ٤٥ المجمع عن كتاب النبوة بالإسناد عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قلت : فكان يوسف رسولا نبينا؟ قال : نعم أما تسمع قول الله عز وجل : (لَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ).