الطبع (عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) طبعا شاملا لا يبقي على أثر ، وسدا كاملا لا يرجى معه أي مفر ، فوا ويلاه إذا ختم الله على كلّ القلب ولات حين مناص ولا منفذ لخلاص!
وهذه الآية اليتيمة بين آيات الختم ، حيث تعممه على كل القلب ، ولأنه في أسفل دركات الكفر والنكران من الإنس والجان! فالقلوب ثلاثة ، قلوب طامة بالنور ، تامة في كمال النور ، فكلها نور دون ظلام فهي في أفضل الدرجات ، وقلوب مختومة بظلمة لا مجال فيها لنور ، فهي في أسفل الدركات ، وقلوب هي عوان بين ذلك مهما اختلفت درجاتها بين مؤمن ومن يفتش عن إيمان.
أترى فرعون الطاغية يغيّر رأيه بعد هذه الجولة الضخمة التي تأخذ بأزمة القلوب غير المختومة؟ كلّا! ولكنه لا يرى بدا من ردة فعل غير التي أبداها لحدّ الآن ، ولكي يغتر المتأثرون بدعوة الداعية ، تظاهرا هو تظاهرة أمام المستضعفين بلون غير الذي كان حتى الآن أمام الداعية :
(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦). أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ)(٣٧).
الصرح هو العرش فقد يكون للجلوس عليه ك (صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ) (٢٧ : ٤٤) وأخرى للصعود عليه تطلّعا إلى عال وكما يطلبه فرعون من هامان ، وهو برج عال كأعلى ما يمكن ، خروجا عن الأسباب الأرضية إلى أسباب سماوية ، فكما في الأرض مركبات موصلة إلى أخرى هي أسباب للتنقلات الأرضية ، كذلك للسماء ، فهنا صرح يطّلع عليه على أسباب السماوات ، ثم الركوب على مركبة سماوية ، اطلاعا على ما فيها من كائنات كامنة!
ولا يمكن الارتقاء في الأسباب إلّا لمن يملكها علما واقتدارا وكما يتحداه