دليل واحد حكيم بين مدلولين اثنين ، بين سين رمزا إلى سماع الوحي النبوءة و (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) في تصريحة الرسالة على صراط مستقيم ، فحكمة القرآن في بيانه وتبيانه قد سدّت دونه ثغرات واحتمالات أنه من عند غير الله ، فمهما بلغ الكلام من غير الله إلى مطلق الحكمة ، ليس ليبلغ إلى حكمة مطلقة دون أية هفوة وثغرة ، حيث الكمال القمة اللّانهائية هي التي تقتضي الحكمة القمة ، فكل درجة من حكمة الكلام دليل على نفس الدرجة من حكمة المتكلم حتى تبلغ إلى الدرجة القمة التي لا تدانيها حكمة ، فهي ـ إذا ـ من حكمة الله لا سواه ، حكمة ملأت قلب الرسول نبوءة : «يس» ثم تخطّته إلى العالمين رسالة في أعلى درجاتها : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
فالقرآن حكيم لا مدخل فيه بأية شعرة في مثلث الزمان من أي إنس والجان ، وفي أي حقل من حقوله المتمازجة على مختلف أبعادها ، حيث تحلّق على كل العلوم في كل أبعاد الزمان ، لا عوج فيه ولا ريب يعتريه ، فلا انفصام لعروته نور لا تطفأ مصابيحه وسراج لا يخبؤ توقّده ، وبحر لا يدرك قعره ، ومنهاح لا يضلّ نهجه ، وشعاع لا يظلم ضوءه ، وفرقان لا يخمد برهانه ، وتبيان لا تهدم أركانه ... حبلا وثيقا عروته ، ومعقلا منيعا ذروته ... (١).
وما أحسنه برهانا حكمة القرآن ، توجيها إليها بصورة الحلف ، ولكي يعيش الناس تدبرا فيه وإمعانا في ألفاظه ومعانيه ، دون أن يوضّح جنبات حكمته فلا تتحرك العقول ، فتبوء إلى عطالة دون حراك!
(إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٤) رسالة عليا ، على
__________________
(١) من خطب الامام امير المؤمنين في النهج ١٩٣ ص ٣٠٢.