ولماذا لا نعبد الشيطان؟ ل (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) يبين عدائه فيما يحملكم عليه من خلاف الفطرة والعقل والعدل ، وفيما يخلفكم ذلك الغرور من وعده الغرور!
(أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) تخلية عن عبادة غير الله أن «لا إله» (وَأَنِ اعْبُدُونِي) تحلية بعبادة الرحمن «إلا الله» و «هذا» السلب المطلق والإيجاب المطلق : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) (صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) : صراط العبودية.
(وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ)(٦٢).
سيروا في الأرض فانظروا إلى من أضله الشيطان من الجبلّ الكثير فلم يبق إلّا القليل وكما أوعدكم منذ البدء : (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) والجبلّ من أصل الجبل تدليلا على معنى العظم ، فكثيره هو الجماعة الكثيرة المغلّظة ، كما الجبلّة هي الجماعة المجبولة المفطورة على أمر : (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) (٢٦ : ١٨٤) فكما الجبل مفطور على الصلابة والصلادة ، كذلك الناس أجمعون فأنهم مجبولون ومفطورون على فطرت الله التي فطر الناس عليها.
فالجبلّ الكثير هم المفطورون على (أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ ... وَأَنِ اعْبُدُونِي) في عهد الفطرة ، فهؤلاء الكثير تخلفوا عن جبلّتهم بما أضلهم الشيطان ، وجبلّ قليل هم الباقون عليها الماشون صراطها المستقيم «أفلم تكونوا» في واقع هذه التجربة العظيمة «تعقلون» وتأخذون حكم الفطرة بقوة؟
ولأن (كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) (٤ : ٧٦) فإضلالة الجبلّ الكثير عن جبلتهم وفطرتهم وعقليتهم وشرعتهم ، على كثرتهم ، ليس ذلك لقوته ، بل لضعف هؤلاء الجبلّ الكثير ، لا ضعفا في فطرتهم فإنها حجة الله ، وإنما تعاميا عنها وتركا لاستعمال عقولهم ، ولأنهم لم يعقلوا شرعة الله