الصالحين علمت أن رزقى لا يأخذه غيرى فاطمئن قلبى" ... ، وكان هذا هو سر زهده فى الدنيا ، وزهده فيما عند الناس ... ، يقول صلىاللهعليهوسلم" ازهد فى الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس" (١) ... ، كذلك فإن المعاملة الحسنة مع الناس وفى المنزل دليل خيرية العبد عند ربه ، ويقول صلىاللهعليهوسلم" خيركم خيركم لأهله وانا خيركم لأهلى" (٢) ... ، إنه دين الرحمة فى كل شىء ... ، وهو الدين المعجز لمن يتفكر ، فلقد اتقن الله تعالى كل شىء فالإتقان والتوازن فى الذرة لا يختلف عن الإتقان والتوازن فى المجرة ، ويسجد لله تعالى كل ما فى الكون ، وسجود الإنسان معناه الطاعة لله وتنفيذ أوامره وسجود الكائنات معناه الانقياد لأوامر الله أيضا ... ، فالشمس تدور فى فلكها لا تحيد عنه ، وعلى مسافة مناسبة من الأرض حتى لا تحترق الكائنات بقربها أو تتجمد ببعدها ، ومن علامات سجود القمر أنه يبتعد قليلا عن الأرض فى كل عام ليحافظ على سرعة دوران الأرض حول نفسها حتى لا يطول النهار فتشتد الحرارة وتتبخر المياه أو يطول الليل فيختل نظام الكون ... ، وهو يدور فى فلكه بانتظام ، وكما قال أحد العلماء وصور هذا الانتظام الذى يعد طاعة وسجود لأوامر الله ، بقوله : هل يستطيع إنسان أن يدير حجرا حوله بحبل ويصبر على ذلك يوما ... ، وما ذا لو كان شهرا ... ، وما ذا لو كان عاما ، وكيف لو كان هذا الانتظام بدون الحبل؟! ... ، إنه التوازن الإلهى ، والقدرة ... ، والعلم المحيط ... ، فعلينا أن نطيع الله فإن عذابه شديد ، فالزانى المحصن يرجم بالحجارة ، والسارق تقطع يده ، والذى بخل بالزكاة يكون بالذهب الذى يكنزه ، وإن كانت غنما تأتى يوم القيامة تنطحه بقرونها رغم شدة الموقف ... ، ويخبرنا صلىاللهعليهوسلم أنه" من ترك صلاة العصر متعمدا فقد حبط عمله" (٣) ... ، وفى معنى آخر" فكانما وتر أهله وماله" (٤) ... ، فالجنة طريقها الطاعة وعدم الشح وعدم نسيان الذنب
__________________
(١) سنن ابن ماجة (٢ / ١٣٧٣) صححه الألبانى.
(٢) رواه ابن حبان فى صحيحه ـ عن عائشة رضى الله عنهما ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الثالث ـ ص ٤٩ ـ الريان المتراث.
(٣) رواه أحمد باسناد صحيح.
(٤) يقول أبو الدرداء رضى الله عنه" أوصانى خليلى صلىاللهعليهوسلم" أن لا تشرك بالله شيئأ وإن قطعت وإن حرقت ولا تترك صلاة مكتوبة معتمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة ـ ولا تشرب الخمر فإنه مفتاح كل شر" رواه ابن ماجة والبيهقى ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الأول ـ ص ٣٨١ ـ والمعنى المشار إليه من حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم" الذى تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله" رواه مالك والبخارى ـ المرجع السابق ص ٣٠٨.