الفصل السادس
في حاجة الممكن إلى العلّة
وأنّ علّة حاجته إلى العلّة هو الإمكان دون الحدوث (١)
حاجة الممكن ـ أي توقّفه في تلبّسه بالوجود أو العدم ـ إلى أمر وراء ماهيّته من الضروريّات الأوّليّة (٢) الّتي لا يتوقّف التصديق بها على أزيد من تصوّر موضوعها ومحمولها (٣) ، فإنّا إذا تصوّرنا الماهيّة ـ بما أنّها ممكنة تستوي نسبتها إلى الوجود والعدم وتوقّف ترجّح أحد الجانبين لها وتلبّسها به على أمر وراء الماهيّة ـ لم نلبث دون أن نصدّق به ، فاتّصاف الممكن بأحد الوصفين ـ أعني الوجود والعدم ـ متوقّف على أمر وراء نفسه ، ونسمّيه : «العلّة» لا يرتاب فيه عقل سليم. وأمّا تجويز اتّصافه ـ وهو ممكن مستوي النسبة إلى الطرفين ـ بأحدهما لا لنفسه ولا لأمر وراء نفسه فخروج عن الفطرة الإنسانيّة.
وهل علّة حاجته إلى العلّة هي الإمكان أو الحدوث (٤)؟
__________________
(١) أي : الحدوث الزمانيّ الّذي يعتقد الخصم أنّه علّة للحاجة.
(٢) وهي الضروريّات الّتي لا يتوقّف التصديق بها على دليل أو شيء آخر غير الدليل ممّا تتوقّف عليه أقسامها الاخر ، كالمشاهدة في المشاهدات ، والتجربة في التجربيّات ، والحدس في الحدسيّات ، والسماع في المتواترات ، والفطرة في الفطريّات.
(٣) هكذا في المطالب العالية ١ : ٨٣ ـ ٨٤ ، والأسفار ١ : ٢٠٧ ، وشرح المواقف : ١٣٤ ، وشرح المنظومة : ٧٠.
(٤) أو الإمكان مع الحدوث ، أو لا هذا ولا ذاك؟ فإنّ الأقوال في علّة حاجة الممكن ـ