الفصل السادس
في أنّ المادّة لا تفارق الجسميّة ، والجسميّة لا تفارق المادّة ،
أي أنّ كلّ واحدة منهما لا تفارق صاحبتها
أمّا أنّ المادّة لا تتعرّى عن الصورة فلأنّها في ذاتها وجوهرها قوّة الأشياء ، لا نصيب لها من الفعليّة إلّا فعليّة أنّها لا فعليّة لها ، ومن الضروريّ أنّ الوجود يلازم الفعليّة المقابلة للقوّة (١). فهي ـ أعني المادّة ـ في وجودها مفتقرة إلى موجود فعليّ محصّل الوجود ، تتّحد به ، فتحصّل بتحصّله (٢) ، وهو المسمّى «صورة».
وأيضا لو وجدت المادّة مجرّدة عن الصورة لكانت لها فعليّة في وجودها ، وهي قوّة الأشياء محضا (٣) ، وفيه اجتماع المتنافيين في ذات واحدة ، وهو محال.
ثمّ إنّ المادّة لمّا كانت متقوّمة الوجود بوجود الصورة فللصورة جهة الفاعليّة (٤) بالنسبة إليها ، غير أنّها ليست تامّة الفاعليّة لتبدّل الصور عليها ،
__________________
(١) الّتي ملازمة للفقدان. فالتقابل بينهما تقابل السلب والإيجاب.
(٢) أي : تتحصّل المادّة بتحصّل ذلك الموجود المحصّل الوجود.
(٣) أي : لا فعليّة لها إلّا فعليّة أنّها قوّة الأشياء.
(٤) لم يقل : «فللصورة فاعليّة بالنسبة إليها» لأنّه لم تكن الصورة علّة حقيقيّة بالنسبة إليها ، بل إنّما هي شرط لوجود المادّة ، كما صرّح بذلك في بداية الحكمة وقال : «وليست الصورة علّة تامّة ولا علّة فاعليّة لها». ثمّ قال : «فالصورة جزء للعلّة التامّة وشريكة العلّة للمادّة وشرط لفعليّة وجودها» بداية الحكمة : ٩٦.