الفصل التاسع
في تقابل التضادّ
قد عرفت (١) أنّ المتحصّل من التقسيم السابق أنّ المتضادّين أمران وجوديّان غير متضايفين ، لا يجتمعان في محلّ واحد في زمان واحد من جهة واحدة.
والمنقول عن القدماء (٢) أنّهم اكتفوا في تعريف التضادّ على هذا المقدار ، ولذلك جوّزوا وقوع التضادّ بين الجواهر ، وأن يزيد أطراف التضادّ على اثنين. لكنّ المشّائين (٣) أضافوا إلى ما يتحصّل من التقسيم قيودا اخر ، فرسموا المتضادّين ب «أنّهما أمران وجوديّان غير متضايفين ، متعاقبان على موضوع واحد ، داخلان تحت جنس قريب ، بينهما غاية الخلاف». ولذلك ينحصر التضادّ عندهم في نوعين أخيرين من الأعراض ، داخلين تحت جنس قريب ، بينهما غاية الخلاف ، ويمتنع وقوع التضادّ بين أزيد من طرفين.
بيان ذلك : أنّ كلّ ماهيّة من الماهيّات بل كلّ مفهوم من المفاهيم (٤) منعزل بذاته عن غيره من أيّ مفهوم مفروض ، وليس ذلك من التضادّ في شيء وإن كان يصدق عليه سلب غيره وكذا كلّ نوع تامّ بوجوده الخارجيّ وآثاره الخارجيّة
__________________
(١) في الفصل الخامس من هذه المرحلة.
(٢) على ما نقل عنهم التفتازانيّ في شرح المقاصد ١ : ١٤٧ ، حيث قال : «هو الّذي أورده قدماء الفلاسفة في أوائل المنطق».
(٣) كما في الأسفار ٢ : ١١٢ ـ ١١٣.
(٤) سواء كان مفهوما ماهويّا أو مفهوما غير ما هويّ.