الفصل الثامن
في الكمّ (١) وهو من المقولات العرضيّة
قد تقدّم (٢) أنّ العرض ماهيّة إذا وجدت في الأعيان وجدت في موضوع مستغن عنها ، وأنّ العرضيّة كعرض عامّ لتسع من المقولات ، هي أجناس عالية ، لا جنس فوقها ، ولذا كان ما عرّف به كلّ واحدة منها تعريفا بالخاصّة ، لا حدّا حقيقيّا ذا جنس وفصل.
وقد عرّف الشيخان ـ الفارابيّ (٣) وابن سينا (٤) ـ الكمّ ب «أنّه العرض الّذي بذاته يمكن أن يوجد فيه شيء واحد يعدّه». وهو أحسن ما اورد له من التعريف (٥).
وأمّا تعريفه ب «أنّه العرض الّذي يقبل القسمة (٦) لذاته (٧)» (٨) فقد اورد
__________________
(١) قال المحقّق الشريف في وجه تقديمه على سائر المقولات : «لكونه أعمّ وجودا من الكيف ، فإنّ أحد قسميه ـ أعني العدد ـ يعمّ المقارنات والمجرّدات ، وأصحّ وجودا من الأعراض النسبيّة الّتي لا تقرّر لها في ذوات موضوعاتها» ، انتهى كلامه في شرح المواقف : ٢٠٣.
(٢) راجع الفصل الثاني من هذه المرحلة.
(٣) راجع المنطقيّات للفارابي ١ : ٤٤.
(٤) راجع آخر الفصل الرابع من المقالة الثالثة من إلهيات الشفاء ، حيث قال : «فالكمّيّة بالجملة حدّها هي أنّها الّتي يمكن أن يوجد فيها شيء منها يصحّ أن يكون واحدا عادّا».
(٥) واستحسنه الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ١٧٨ ، وصدر المتألّهين في الأسفار ٤ : ١٠.
(٦) أي : القسمة الوهميّة ، كما صرّح بذلك الحكيم السبزواريّ ، فقال في هامش شرح المنظومة (قسم الحكمة) : ١٣٨ : «لا الفكّيّة ، لأنّها يعدم الكمّ ، والقابل والمقبول لا بدّ أن يجتمعا».
(٧) فيخرج ما يقبل القسمة بالعرض ، كالكيف مثلا ، فإنّ البياض الحالّ في الجسم المتقدّر يقبل القسمة من حيث كونه متقدّرا بمقدار الجسم ، لا من حيث ذاته.
(٨) وهكذا عرّفه الميبديّ فى شرحهه للهداية الأثيريّة : ١٦١ ، وقطب الدين الرازيّ في ـ