فإنّه يقال (١) : إنّ المادّة وإن كانت واحدة بالعدد لكن وحدتها مبهمة ضعيفة ، لإبهام وجودها وكونها محض القوّة ، ووحدة الصورة ـ وهي شريكة العلّة الّتي هي المفارق ـ مستظهرة بوحدة المفارق. فمثل إبقاء المفارق وحفظه المادّة بصورة مّا مثل السقف يحفظ من الانهدام بنصب دعامة بعد دعامة.
وسيأتي في مباحث الحركة الجوهريّة إن شاء الله (٢) ما ينكشف به حقيقة
__________________
(١) كما قال به الشيخ الرئيس في الفصل الرابع من المقالة الثانية من إلهيّات الشفاء ، وتعرّض له المحقّق الطوسيّ في شرح الإشارات ٢ : ١٢٥ ـ ١٢٦.
وحاصل الجواب : أنّ المادّة وإن كانت واحدة بالعدد لكنّها ضعيفة في الوجود ، فإنّ حظّها من الوجود ليس إلّا كونها قوّة للوجود ، فوحدتها الشخصيّة مبهمة ضعيفة. وأمّا وحدة الصورة وإن كانت بالعموم إلّا أنّها مستظهرة بوحدة المفارق الفائض ، أي أنّها مستعانة بالوحدة العدديّة الّتي هي وحدة العقل المفارق الفائض الدائم ، فإنّ فيض الفيّاض يفاض على الصورة أوّلا وعلى الهيولى ثانيا ، فالصورة متقدّمة على المادّة وجودا وإن كانت المادّة متقدّمة عليها زمانا. وبه يصحّح كونها شريكة العلّة للمادّة.
وفيه : أنّه يوافق مذهبه من تقدّم المادّة على الصورة زمانا وتقدّم الصورة على المادّة وجودا.
ولكنّ الحقّ أن لا معنى لتقدّم المادّة على الصورة زمانا ، بل المادّة والصورة كلتاهما مستندة إلى العقل المفارق ، وهو يوجدهما معا في زمان واحد ، ويحفظ المادّة بتلاحق الصور.
نعم ، الهيولى في وجودها محتاجة إلى الصورة كما أنّ الصورة لا تتعرّى عن المادّة وتتوقّف عليها. وبعبارة اخرى : أنّ وجود الصورة شرط فيضان الوجود على المادّة من العلّة الفاعليّة كما أنّ المادّة شرط وجود الصورة ، فهما متلازمان وجودا ومعلولان لعلّة ثالثة هي العقل المفارق.
وأجاب الحكيم السبزواريّ عن الإشكال في شرح المنظومة (قسم الحكمة) : ٢٣٤ بما حاصله : أنّ طبيعة الصورة من حيث التحقّق تكون علّة للهيولى ، وهي بتلك الحيثيّة ليست أضعف وجودا من الواحد بالعدد ، لأنّها تتحقّق بعين تحقّق الفرد ، فيكون كالواحد بالعدد.
وفيه : أنّ اللازم في علّيّة الشيء كونه أقوى وجودا من المعلول ، لا عدم كونه أضعف وجودا منه ، وإلّا يلزم أن يكون الشيء المساوي وجودا علّة لمساويه ، وهو محال.
فالأولى في الجواب أن يقال : إنّ الصورة ليست علّة فاعليّة للهيولى حتّى يلزم أن يكون أقوى وجودا من الهيولى ، بل هي شرط فيضان الوجود عليها من العلّة الفاعليّة الّتي هي العقل المفارق الدائم الوجود كما أنّ المادّة شرط فيضان الوجود على الصورة كذلك.
(٢) في الفصل الثامن من المرحلة التاسعة.