وكان من مظاهر شرف الاصطفاء. هو انتقال وليد الكعبة منذ كان عمره ستّ سنين إلى بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله.
ذكر أحمد البلاذري وليّ بن الحسين الأصفهانيّ : أنّ قريشاً أصابتها أزمة وقحط رسول الله صلّى الله عليه وآله لعمّيه حمزة والعباس : «ألا نحمل ثَقَل أبي طالب في هذا المَحل».
فجاءوا إليه ، وسألوه أن يدفع إليهم ولده ليكفوه أمرهم.
فقال : دعوا لي عقيلاً ، وخذوا من شئتم.
فأخذ العبّاس طالباً ، وأخذ حمزة جعفراً ، واخذ محمّد صلّى الله عليه وآله عليّاً عليه السّلام ، وقال لهم : «قد أخذت ـ من اختاره الله لي عليكم ـ عليّاً» (١).
فشاءت العناية الربانيّة أن يعيش أمير المؤمنين عليه السّلام مع محمّد الصادق الأمين صلّى الله عليه وآله يتأدّبب على يديه ، ويتعلّم خصال نفسه الزكية.
فكان من ثمار تلك العناية الإلهيّة والتربية النبويّة أن صارت شخصيّة وصيّ النبيّ المصطفى صلّى الله عليه وآله اختصاراً لشخصيّة المربّي عليه السّلام ، ونسخة ناطقة بشمائله وسيرته وعبادته وعلمه وشجاعته وكرمه وزهده وصبره ، وأن ينال الذروة العليا من مبادىء الاستقامة والشرف والعظمة والسيادة ، وأن يتحلّى بخصائص فريدة ومناقب فذّة مزايا عجيبة.
ومن بين تلك الخصائص الفريدة والمناقب الفذّة شرف السبق إلى الإسلام والتقدّم إلى الإيمان ، وهو شرف عظيم لا يضاهى ، وفضل كبير لا يدانى.
فليس في حياة عليّ عليه السّلام يومٌ للشرك أو الوثنيّة ، بل ، وُلِدَ في الإسلام دفعة واحدة وإلى الأبد ، فكان مثار دهشة أبديّة ، أن يولد عليّ عليه السّلام مسلماً في زمن الجاهليّة.
__________________
(١) شرح نهج البلاغة (لا بن أبي الحديد) ١ : ١٥١.