وكان برسول الله صلّى الله عليه وآله حفيّاً في السرّ والإعلان ، يتفقده في مطعمه وأغذيته ، ويعدّ له قريشاً ، يخضع له الأشراف ، ويذلّ له عظماء الملوك ، ويدين بدينه جميع أهل الملل والأديان ، وترعد لهيبته فرائص الجبّارين ، ويظهر على من خالفه وناواه ، حتّى يقرنهم في الأصفاد ، ويبيع ذراريهم في الأسواق ، ويتّخذ أبناءهم عبيداً ، وشجعانهم جنوداً ، وتُحبّه قلوبهم من خيفته ، وتُعينه الملائكة على نصرته ، فطوبى لمن آمن به من عشيرته ، وطوبى لاُمته.
فلمّا مرض مرضه الذي مات فيه وضع رسول الله صلّى الله عليه وآله في حِجر أبي طالب عليه السّلام ووصّاه به ، وقال له : يا بُنيّ ، هذا فضلٌ من الله عليك ، ومنحةٌ وهديةٌ منّي إليك ، ألهمنيه في أمرك ، وهو ابن أخيك لأبيك واُمّك دون سائر إخوانك.
ثمّ أطلعه على مكنون سرّ علمه ودلائله ، وأخبره بما بشّر به عن الأنبياء والمرسلين صلّى الله عليهم ، وما وراه فيه أقاضل الأحبار ، وعبّاد الرهبان ، وأقيال العرب ، وكهّان العجم.
ولم يكن لأبي طالب يومئذٍ ولدٌ ، وكان فرداً وحيداً ، امرأته فاطمة بنت أسد ابن هاشم بن عبد مناف ؛ بنت عمّه ، وكانت تدعى سورة الفاضلة لكلّ لبد ، والزائدة على كلّ عدد.
وكانت ممنوعةً من الولد ، تنذر لذلك النذور ، وتتقرّب إلى الأصنام ، وتستشفع بالأزلام إلى الرحمن ، وتعتر العتائر ، وتُضمّخُ وجوه الأصنام بذكيّ المسك وخالص العنبر تطلب الولد.
وكانت كلّما لقيت كاهناً أو حبراً عالماً من السدنة بشّرها أنّها تتبنّي ولداً لم تلده ، وتربّيه ، ويأمرها إذا رزقته أن تضمّه وتكنفه ، وتحفظه ولا تُبعده.
فتسألهم أن يسمّوه ويصفوه لها ، فيقولون : ذاك نورٌ منير ، بشيرٌ نذير ، مبارك في صغره ، مُنَبَّأٌ في كبره ، ويوضّح السبيل ، ويختم الرسل ، يبعث بالدين