الفاضل ، ويزهق العمل الباطل ، يُظهر من أفعاله السداد ، ويتبيّن باتّباعه الرشاد ، وينهج الله له الهدى ، ويبيّن به التُقى.
فكانتفاطمة ببت أسد ترقب ذلك تنتظره ، فلمّا طال انتظارها ، وذهل اصطبارها أنشأت تقول :
طال الترقّب للميعاد إذ عدمتْ |
|
منّي الحوائل ولداً من عناصيري |
لمّا أتيتُ إلى الكهّان بشّرني |
|
عند السؤال عليمُ بالمخابيرِ |
فقال يُوعدني والدمع مبتدرٌ |
|
يا فاطم انتظري خير التباشيرِ |
نوراُ منيراً به الأنباء قد شهدتُ |
|
والكتب تنطقُ عن شرح المزامير |
أَنّي بذاك فقد طال الطلاع إلى |
|
وجه المبارك يزهو في الدياجير |
فلما مات عبد المطلب كفل أبو طالب رسول الله صلّى الله عليه وآله بأحسن كفالة ، وحنّ عليه ، ودأب في حياطته ، وتمسّك به ، والتحف عليه ، وعطف على جوانبه.
وكان أبو طالب محترماً معظّماً ، كشّافاً للكروب ، غير هذر ولا مِكثار ، ولا عاق ، بل برٌّ وصولٌ ، جوادٌ بما يملك ، سمحٌ بما يقدر ، لا يُثنيه عن مبادرة الخطاب وجل ، ولا يدركه لدى الخصام مللٌ.
فشغف برسول الله صلّى الله عليه وآله شغفاً شديداً ، وولهت بحبّة فاطمة بنت أسد ، وذهلت بمحبّته ودلالته التي وُعدت بها ، فكانت تقول : وإله السماء ، لقد قبل نذري ، وشكر سعيي ، وأُجيبت دعوتي ، لأنزلنّ محمّداً من قلبي منزلة صميم الأحشاء ، ولألهونّ برؤيته عن كلّ نظر ، أن يهش إليه قلب الأخيل المعنى ، ومن أولى بذلك ممن أُعطي مثله ، وليس هذا من أمر الخلق بل هو من عند الإله العظيم.
فكانت قد جعلته صلّى الله عليه وآله نصب عينها ، إن غاب لحظةً لم يغب عنها مثالُه ، ولم يفقد شخصه ، وتذهل حتّى تُحضره ، فتشتغل بتغذيته ، وغسله وتنظيفه ، وتلبيسه وتدهينه ، وتعطيره وإصلاح شأنه ، وتعاهد إوطانه بالنهار ، فإذا كان بالليل اشتغلت بفرشه ونومه ، وتوسيده وتمهيده ، وتعوّذه وتُتَمّمُه.