فهو يريد ـ والكلام للمؤلّف ـ أنّ الحديث ممّا تصافقت الأدي على نقله ، وتطامنت النفوس على روايته ، وأصفقت الجماهير من الفريقين على إثباته ، وذلك الذي نريد إثباته ، وبه يثبت التواتر.
خبر الولادة عند من لا يعمل إلّا بالخبر المتواتر :
وبعد كلّ ذلك انتقل المؤلف إلى أنّ هنكا بعضاً من العلماء لا يأبه في عمله إلّا بالخبر المتواتر في وقت يعمل فيه جمعٌ منهم بالآحاد.
ومن اُولئك : الشيخ الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان (ت ٥٤٨ هـ) حيث قال في كتابه (إعلام الورى) :
«لم يولد قط في بيت الله تعالى مولود سواه لا قبلَه ولا بعدَه ، وهذه فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالاً لمحلّه ومنزلته وإعلاءً لقدرته» (١).
ومن اُولئك : الشريف المرتضى (ت ٤٣٦ هـ) وهو يشرح القصيدة المذهبة للسيّد الحميري ، قال :
«وروي أنّها ـ يعني فاطمة بنت أسد ـ ولدته في الكعبة ، ولا نظير له في هذه الفضيلة» (٢).
وهنا يقول المؤلف :
وليس قصده من إيرادها بلفظ «روي» إسنادها إلى رواية مجهولة ، وإنّما جرى فيها على ديدنه في هذا الكتاب من سرد الحقائق الراهنة مقطوعة عن الأسانيد لشهرتها وتضافر النقل لها وتداولها في الكتب لفتاً للأنظار إليها وإشادة بذكرها على نحو الاختصار ، وعلى ذمّة الباحث إخراجها من مظانّها ، ولذلك تراه يقول بعد الرواية غير متلكئ ولا متلعثم : «ولا نظير له ...» كجازمٍ بحقيقتها ، مؤمن بصحّتها وتواترها ، وإلّا لَلَفظَها كما هو دأبه في غير واحد من الأحاديث.
__________________
(١) اعلام الورى : ١٥٣.
(٢) شرح القصيدة المذهبة : ٥١.