وكان ذلك يوم الجمعة ، الثالث عشر من شهر الله الأصمّ رجب ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة (١) قبل البعثة بعشر سنين (٢) حوالي عام (٦٠٠ م) ٢٣ قبل الهجرة ، وقيل : «ولد سنة ثمان وعشرين من عام الفيل» (٣).
ولعلّه في مثل هذا اليوم الذي وُلِدَ فيه أمير المؤمنين قد وُلِدَ الاُلوف من البشر ، لكنّ ولادته مثّلت حَدَثاً عجيباً تجلّت به الأسرار ، وتلبّست بالحكمة الربّانية.
كانت مثاراً للدهشة الأبديّة ، فقد وضعت فاطمة وليدها في البيت العتيق! في مكان عبادةٍ لا ولادة ، أليس ذلك بالشيء العظيم؟!
ويسجّل التاريخ ذاك الفخر الذي ظهر فيه عليٌّ عليه السلام مديراً ظهره للأصنام التي كانت الكعبة الشريفة تضجُّ بها ، وعن قريب سينهض هذا الوليد على كتف رسول الله ليلقي بها أرضاً ، تحت بطون الأقدام!!
تلك ولادةٌ أكرمه الله بها ، فشاركته اُمُّه الكريمة في فخرها.
إنّ اُمّه فاطمة بنت أسد لمّا ضربها الطلق ، جاءت متعلّقةً بأستار الكعبة الشريفة ، من شدّة المخاض ، مستجيرةً بالله وَجلةً ، خشية أن يراها أحدٌ من الذين اعتادوا الاجتماع في اُمسياتهم في أُروقة البيت أو في داخله ، فانحازت ناحيةً وتوارت عن العيون خلف أستار البيت ، واهنةً مرتعشة أضنتها آلام المخاض ؛ فألصقت نفسها بجدار الكعبة وأخذت تقول :
«يا ربّ ، إنّي مؤمنةٌ بك وبما جاء من عندك من رسلٍ وكتبٍ ، وإنّي مصدّقةٌ بكلام جدّي إبراهيم ، وأنّه بنى البيت العتيق ، فبحقّ الذي بنى هذا البيت وبحقّ المولود الذي في بطني إلّا ما يسرت عَلَيَّ ولادتي».
__________________
(١) اُنظر إعلام الورى ١ : ٣٠٦ ، وإرشاد المفيد ١ : ٥ ـ ، وعليٌّ وليد الكعبة (للأُردوبادي) : ٣ ، منشورات مكتبة الرضوي ، وكشف الغمّة (للعلامة المحقق الأربلي) ١ : ٥.
(٢) الإصابة (لابن حجر) ٢ : ٥٠٧.
(٣) كشف الغمّة ١ : ٥٩.