وكان يحمله ويطوف به جبال مكّة وشعابها ، وأوديتها وفجاجها ، فلما تزوّج خديجة بنت خويلد علمت بوجده بعليّ عليه السّلام ، فكانت تستزيره ، وتزيّنه بفاخر الثياب والجوهر ، وترسل معه لائدها ، فيقلن : هذا أخو محمّد ، وأحبّ الخلق إليه ، وقرّة عين خديجة ، ومن ينزل السكينة عليه.
وكانت ألطاف خديجة وهداياها إلى منزل أبي طالب متّصلة ، حتّى أصابت قريشاً أزمة شديدة ، وسنة معصوصبة.
وكان أبو طالب رجلاً جواداً معطاءاً سمحاً ، فقلّ ماله ، وكثر عياله ، وأجحفت السِنَةُ بحاله ، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وآله عمّه العباس ـ وكان أيسر بني هاشم ف وقته وزمانه ـ فقال له : يا عمّ إنّ أخاك كثير العيال ، متضعضع الحال ، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة ، ذوو الأرحام أحقّ بالرِفد ، وأولى من حمل عنهم الكلّ ، فانطلق بنا إليه لنحمل من كلَّه ، ونخفّف من عيلته ، يأخذ كلّ واحدٍ منّا واحداً من بنيه يسهل عليه بذلك بعض ما هو فيه.
فقال له العبّاس : نِعم ما رأيتَ يابن أخ ، وعلى الصواب أتيتَ ، هذا والله التيقّظ على الكرم ، والعطف على الرحم.
فمضيا إلى أبي طالب ، فأجملا مخاطبته ، وقالا له : إنّ لك سوابق محمودة ، ومناقب غير مجحودة ، وأنت صنو الآباء الأنجاد ، وقد جمع لك العرف في قرن ، فهو إليك منقاد ، ولسنا نبلغ صفاتك ، وقد أضلت هذه السنة الغبراء ، وعيالك كثير ، ولابدّ أن نخفّف عنك بعضهم حتّى ينكشف ما فيه الناس من هذا القمطرير.
فقال أبو طالب : إذا تركتما لي عقيلاً وطالباً فشأنكما الأصاغر.
فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله عليّاً ، وأخذ العباس جعفراً عليه السّلام.
فتولّى رسول الله صلّى الله عليه وآله منذ ذلك الوقت تربية أمير المؤمنين عليه السّلام ، وتغذيته وتعليمه بنفسه ، وكان يصلّي معه قبل أن تظهر نبوّتُه بسنتين.