خلفته عند اخته وأظنّ النساء أفقن وشاركنها فى الحسرة ، فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجهوهنّ بكلام يطيب قلوبهنّ فقام حبيب ونادى يا أصحاب الحميّة وليوث الكريهة فتطالعوا من مضاربهم كالاسود الضارية.
فقال لبنى هاشم ارجعوا الى مقرّكم لا سهرت عيونكم ، ثمّ التفت إلى أصحابه وحكى لهم ما شاهده وسمعه نافع ، فقالوا بأجمعهم : والله الّذي منّ علينا بهذا الموقف ، لو لا انتظار أمره لعاجلناهم بسيوفنا الساعة فطب نفسا وقرّ عينا فجزاهم خيرا ، وقال هلمّوا معى لنواجه النسوة ، ونطيب خاطرهنّ فجاء حبيب ومعه أصحابه وصاح يا معشر حرائر رسول الله ، هذه صوارم فتيانكم آلوا ألا يغمدوها إلّا فى رقاب من يريد السوء فيكم ، وهذه أسنّة غلمانكم أقسموا ألّا يركزوها إلّا فى صدور من يفرق ناديكم.
فخرجن النساء إليهم ببكاء وعويل ، وقلن أيّها الطيّبون حاموا عن بنات رسول الله وحرائر أمير المؤمنين. فضجّ القوم بالبكاء حتّى كأنّ الأرض تميد بهم ، وفى السحر من هذه اللّيلة خفق الحسين خفقة ثمّ استيقظ وأخبر أصحابه بأنّه رأى فى منامه كلابا شدّت عليه تنهشه وأشدّها عليه كلب أبقع وانّ الّذي يتولّى قتله من هؤلاء رجل أبرص. وإنّه رأى رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد ذلك ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول له :
أنت شهيد هذه الامّة وقد استبشر بك أهل السموات وأهل الصفيح الأعلى وليكن افطارك عندى اللّيلة عجّل ولا تؤخّر فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك فى قارورة خضراء (١).
__________________
(١) مقتل الحسين : ٢٤٠.