فإذا نزلوا تنحّى عنهم وتفرّق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم ، وينزل منهم بحيث إذا أراد إنسان منهم وضوءا أو قضاء حاجة لم يحتشم ، فلم يزل ينازلهم فى الطريق هكذا ، ويسألهم عن حوائجهم ، ويلطفهم حتى دخلوا المدينة ، وقال الحارث بن كعب : فقالت لى فاطمة بنت علىّ : قلت لأختى زينب (١) : يا أخيّة ، لقد أحسن هذا الرجل الشامىّ إلينا فى صحبتنا ، فهل لك أن تصله؟
فقالت : والله ما معنا شيء نصله به إلّا حلينا ، قالت لها : فنعطيه حلينا ، قالت : فأخذت سوارى ودملجى وأخذت أختى سوارها ودملجها ، فبعثنا بذلك إليه ، واعتذرنا إليه ، وقلنا له : هذا جزاؤك بصحبتك إيّانا بالحسن من الفعل ، قال : فقال : لو كان الذي صنعت إنما هو للدنيا كان فى حليّكن ما يرضينى ودونه ، ولكن والله ما فعلته إلا لله ، ولقرابتكم من رسول الله صلىاللهعليهوآله (٢).
٣٦ ـ عنه قال هشام : وأما عوانة بن الحكم الكلبىّ فإنه قال : لما قتل الحسين وجئ بالأثقال والأسارى ، حتى وردوا بهم الكوفة إلى عبيد الله ، فبينا القوم محتبسون إذا وقع حجر فى السجن ، معه كتاب مربوط ، وفى الكتاب خرج البريد بأمركم فى يوم كذا وكذا إلى يزيد بن معاوية ، وهو سائر كذا وكذا يوما ، وراجع فى كذا ، فإن سمعتم التكبير فأيقنوا بالقتل ، وإن لم تسمعوا تكبيرا فهو الأمان إن شاء الله ، قال : فلما كان قبل قدوم البريد بيومين أو ثلاثة إذا حجر قد ألقى فى السجن ، ومعه كتاب مربوط وموسى ، وفى الكتاب : أوصوا واعهدوا فإنما ينتظر البريد يوم كذا وكذا.
فجاء البريد ولم يسمع التكبير ، وجاء كتاب بأن سرّح الأسارى إلىّ فدعا عبيد الله بن زياد محفز بن ثعلبة وشمر بن ذى الجوشن فقال : انطلقوا إلى أمير المؤمنين يزيد بن معاوية ، قال : فخرجوا حتى قدموا على يزيد ، فقام محفّز بن ثعلبة فنادى بأعلى صوته : جئنا برأس أحمق الناس وألأمهم ، فقال يزيد : ما ولدت أمّ محفّر ألأم وأحمق ، ولكنه قاطع ظالم ، قال : فلما نظر يزيد إلى رأس الحسين ، قال :
__________________
(١) كذا فى الأصل.
(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٦١.