فقال له برير : أشهد أنّ هذا رأيى وقولى ، فقال له يزيد بن معقل ، فانّى أشهد أنّك من الضالّين ، فقال له برير بن خضير ، هل لك فلأباهلك ، ولندع الله أن يلعن الكاذب وأن يقتل المبطل ، ثمّ أخرج فلأبارزك ، قال : فخرجا فرفعا أيديهما إلى الله يدعوانه أن يلعن الكاذب ، وأن يقتل المحقّ المبطل ، ثمّ برز كلّ واحد منهما لصاحبه ، فاختلفا ضربتين ، فضرب يزيد بن معقل برير بن خضير ضربة خفيفة لم تضرّه شيئا ، وضربه برير بن خضير ضربة قدّت المغفر ، وبلغت الدماغ ، فخرّ كأنّما هوى من حالق ، وانّ سيف ابن خضير لثابت فى رأسه.
فكأنّى أنظر إليه ينضنضه من رأسه ، وحمل عليه رضى بن منقذ العبدىّ ، فاعتنق بريرا ، فاعتركا ساعة ، ثمّ إنّ بريرا قعد على صدره فقال رضى أين أهل المصارع والدفاع؟ قال : فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدى ، ليحمل عليه ، فقال : إنّ هذا برير بن خضير القارى الذي كان يقرئنا القرآن فى المسجد ، فحمل عليه بالرمح حتّى وضعه فى ظهره ، فلمّا وجد مسّ الرمح برك عليه فعضّ بوجهه ، وقطع طرف أنفه ، فطعنه كعب ابن جابر حتّى القاه عنه ، وقد غيّب السنان فى ظهره.
ثمّ أقبل عليه يضربه بسيفه حتّى قتله ، قال عفيف : كأنّى أنظر إلى العبدى الصريع قام ينفض التراب عن قبائه ، ويقول : أنعمت علىّ يا أخا الأزد نعمة لن أنساها أبدا ، قال : فقلت : أنت رأيت هذا؟ قال : نعم ، رأى عينى وسمع أذنى ، فلمّا رجع كعب بن جابر ، قالت له امرأته ، أو أخته النوار بنت جابر ، أعنت على ابن فاطمة ، وقتلت سيّد القراء ، لقد أتيت عظيما من الامر ، والله لا اكلّمك من رأسى كلمة أبدا (١)
__________________
(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٣١.