(إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٣٥)
____________________________________
تعالى (بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) فى محل النصب على أنه صفة لذرية أى اصطفى الآلين حال كونهم ذرية متسلسلة متشعبة البعض من البعض فى النسب كما ينبئ عنه التعرض لكونه ذرية وقيل بعضها من بعض فى الدين فالاستمالة على الوجه الأول تقريبية وعلى الثانى برهانية (وَاللهُ سَمِيعٌ) لأقوال العباد (عَلِيمٌ) بأعمالهم البادية والخافية فيصطفى من بينهم لخدمته من تظهر استقامته قولا وفعلا على نهج قوله تعالى (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبلها (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ) فى حيز النصب على المفعولية بفعل مقدر على طريقة الاستئناف لتقرير اصطفاء آل عمران وبيان كيفيته أى اذكر لهم وقت قولها الخ وقد مر مرارا وجه توجيه التذكير إلى الأوقات مع أن المقصود تذكير ما وقع فيها من الحوادث وقيل هو منصوب على الظرفية لما قبله أى سميع لقولها المحكى عليم بضميرها المنوى وقيل هو ظرف لمعنى الاصطفاء المدلول عليه باصطفى المذكور كأنه قيل واصطفى آل عمران إذ قالت الخ فكان من عطف الجمل على الجمل دون عطف المفردات على المفردات ليلزم كون اصطفاء الكل فى ذلك الوقت وامرأة عمران هى حنة بنت فاقوذا جدة عيسى عليه الصلاة والسلام وكانت لعمران بن يصهر بنت اسمها مريم أكبر من موسى وهرون عليهما الصلاة والسلام فظن أن المراد زوجته وليس بذاك فإن قضية كفالة زكريا عليه الصلاة والسلام قاضية بأنها زوجة عمران بن ماثان لأنه عليه الصلاة والسلام كان معاصرا له وقد تزوج إيشاع أخت حنة أم يحيى عليه الصلاة والسلام وأما قوله عليه الصلاة والسلام فى شأن يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام هما ابنا خالة فقيل تأويله أن الأخت كثيرا ما تطلق على بنت الأخت وبهذا الاعتبار جعلهما عليهما الصلاة والسلام ابنى خالة وقيل كانت إيشاع أخت حنة من الأم وأخت مريم من الأب على أن عمران نكح أولا أم حنة فولدت له إيشاع ثم نكح حنة بناء على حل نكاح الربائب فى شريعتهم فولدت مريم فكانت إيشاع أخت مريم من الأب وخالتها من الأم لأنها أخت حنة من الأم روى أنها كانت عجوزا عاقرا فبينما هى ذات يوم فى ظل شجرة إذ رأت طائرا يطعم فرخه خنت إلى الولد وتمنته وقالت اللهم إن لك على نذرا إن رزقتنى ولدا أن أتصدق به على بيت المقدس فيكون من سدنته وكان هذا النذر مشروعا عندهم فى الغلمان ثم هلك عمران وهى حامل وحينئذ فقولها (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي) لا بد من حمله على التكرير لتأكيد نذرها وإخراجه عن صورة التعليق إلى هيئة التنجيز والتعرض لوصف الربوبية المنبئة عن إفاضة ما فيه صلاح المربوب مع الإضافة إلى ضميرها لتحريك سلسلة الإجابة ولذلك قيل إذا أراد العبد أن يستجاب له دعاؤه فليدع الله بما يناسبه من أسمائه وصفاته وتأكيد الجملة لإبراز وفور الرغبة فى مضمونها وتقديم الجار والمجرور لكمال الاعتناء به وإنما عبر عن الولد بما لإبهام أمره وقصوره عن درجة العقلاء (مُحَرَّراً) أى معتقا لخدمة بيت المقدس لا يشغله شأن آخر أو مخلصا للعبادة ونصبه