(فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (٣٦)
____________________________________
على الحالية من الموصول والعامل فيه نذرت وقيل من ضميره فى الصلة والعامل معنى الاستقرار فإنها فى قوة ما استقر فى بطنى ولا يخفى أن المراد تقييد فعلها بالتحرير ليحصل به التقرب إليه تعالى لا تقييد ما لا دخل لها فيه من الاستقرار فى بطنها (فَتَقَبَّلْ مِنِّي) أى ما نذرته والتقبل أخذ الشىء على وجه الرضا وهذا فى الحقيقة استدعاء للولد إذ لا يتصور القبول بدون تحقق المقبول بل الولد الذكر لعدم قبول الأنثى (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ) لجميع المسموعات التى من جملتها تضرعى ودعائى (الْعَلِيمُ) بكل المعلومات التى من زمرتها ما فى ضميرى لا غير وهو تعليل لاستدعاء القبول لا من حيث إن كونه تعالى سمعيا لدعائها عليما بما فى ضميرها مصحح للتقبل فى الجملة بل من حيث أن علمه تعالى بصحة نيتها وإخلاصها مستدع لذلك تفضلا وإحسانا وتأكيد الجملة لعرض قوة يقينها بمضمونها وقصر صفتى السمع والعلم عليه تعالى لعرض اختصاص دعائها به تعالى وانقطاع حبل رجائها عما عداه بالكلية مبالغة فى الضراعة والابتهال (فَلَمَّا وَضَعَتْها) أى ما فى بطنها وتأنيث الضمير العائد إليه لما أن المقام يستدعى ظهور أنوثته واعتباره فى حيز الشرط إذ عليه يترتب جواب لما أعنى قوله تعالى (قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) لا على وضع ولد ما كأنه قيل فلما وضعت بنتا قالت الخ وقيل تأنيثه لأن ما فى بطنها كان أنثى فى علم الله تعالى أو لأنه مؤول بالحبلة أو النفس أو النسمة وأنت خبير بأن اعتبار شىء مما ذكر فى حيز الشرط لا يكون مدارا لترتب الجواب عليه وقوله تعالى (أُنْثى) حال مؤكدة من الضمير أو بدل منه وتأنيثه للمسارعة إلى عرض ما دهمها من خيبة الرجاء أو لما مر من التأويل بالحبلة أو النسمة فالحال حينئذ مبينة وإنما قالته تحزنا وتحسرا على خيبة رجائها وعكس تقديرها لما كانت ترجو أن تلد ذكرا ولذلك نذرته محررا للسدانة والتأكيد للرد على اعتقادها الباطل (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) تعظيم من جهته تعالى لموضوعها وتفخيم لشأنه وتجهيل لها بقدره أى والله أعلم بالشىء الذى وضعته وما علق به من عظائم الأمور وجعله وابنه آية للعالمين وهى غافلة عن ذلك والجملة اعتراضية وقرىء وضعت على خطاب الله تعالى لها أى إنك لا تعلمين قدر هذا الموهوب وما أودع الله فيه من علو الشأن وسمو المقدار وقرىء وضعت على صيغة التكلم مع الالتفات من الخطاب إلى الغيبة إظهارا لغاية الإجلال فيكون ذلك منها اعتذارا إلى الله تعالى حيث أتت بمولود لا يصلح لما نذرته من السدانة أو تسلية لنفسها على معنى لعل لله تعالى فيه سرا وحكمة ولعل هذه الأنثى خير من الذكر فوجه الالتفات حينئذ ظاهر وقوله تعالى (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) اعتراض آخر مبين لما فى الأول من تعظيم الموضوع ورفع منزلته واللام فى الذكر والأنثى للعهد أى ليس الذكر الذى كانت تطلبه وتتخيل فيه كما لا قصاراه أن يكون كواحد من السدانة كالأنثى التى وهبت لها فإن دائرة علمها وأمنيتها لا تكاد تحيط بما فيه من جلائل الأمور هذا على القراءتين الأوليين وأما على التفسير الأخير للقراءة