(وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨) إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (٦٠)
____________________________________
ليس لواحد منهم ناصر واحد. (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بما أرسلت به (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) كما هو ديدن المؤمنين (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) أى يعطيهم إياها كاملة ولعل الالتفات إلى الغيبة للإيذان بما بين مصدرى التعذيب والإثابة من الاختلاف من حيث الجلال والجمال وقرىء فنوفيهم جريا على سنن العظمة والكبرياء (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) أى يبغضهم فإن هذه الكناية فاشية فى جميع اللغات جارية مجرى الحقيقة وإيراد الظلم للإشعار بأنهم بكفرهم متعدون متجاوزون عن الحدود واضعون للكفر مكان الشكر والإيمان والجملة تذييل لما قبله مقرر لمضمونه (ذلِكَ) إشارة إلى ما سلف من نبأ عيسى عليه الصلاة والسلام وما فيه من معنى البعد للدلالة على عظم شأن المشار إليه وبعد منزلته فى الشرف وعلى كونه فى ظهور الأمر ونباهة الشأن بمنزلة المشاهد المعاين وهو مبتدأ وقوله عزوجل (نَتْلُوهُ) خبره وقوله تعالى (عَلَيْكَ) متعلق بنتلوه وقوله تعالى (مِنَ الْآياتِ) حال من الضمير المنصوب أو خبر بعد خبر أو هو الخبر وما بينهما حال من اسم الإشارة أو ذلك خبر لمبتدأ مضمر أى الأمر ذلك ونتلوه حال كما مر وصيغة الاستقبال إما لاستحضار الصورة أو على معناها إذ التلاوة لم تتم بعد (وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) أى المشتمل على الحكم أو المحكم الممنوع من تطرق الخلل إليه والمراد به القرآن فمن تبعيضية أو بعض مخصوص منه فمن بيانية وقيل هو اللوح المحفوظ فمن ابتدائية (إِنَّ مَثَلَ عِيسى) أى شأنه البديع المنتظم لغرابته فى سلك الأمثال (عِنْدَ اللهِ) أى فى تقديره وحكمه (كَمَثَلِ آدَمَ) أى كحاله العجيبة التى لا يرتاب فيها مرتاب ولا ينازع فيها منازع (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) تفسير لما أبهم فى المثل وتفصيل لما أجمل فيه وتوضيح للتمثيل ببيان وجه الشبه بينهما وحسم لمادة شبه الخصوم فإن إنكار خلق عيسى عليه الصلاة والسلام بلا أب ممن اعترف بخلق آدم عليه الصلاة والسلام بغير أب وأم مما لا يكاد يصح والمعنى خلق قالبه من تراب (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ) أى أنشأه بشرا كما فى قوله تعالى (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) أو قدر تكوينه من التراب ثم كونه ويجوز كون ثم لتراخى الإخبار لا لتراخى المخبر به (فَيَكُونُ) حكاية حال ماضيه روى أن وفد نجران قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم مالك تشتم صاحبنا قال وما أقول قالوا تقول إنه عبد قال أجل هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول فغضبوا وقالوا هل رأيت إنسانا من غير أب فحيث سلمت أنه لا أب له من البشر وجب أن يكون أبوه هو الله فقال عليه الصلاة والسلام إن آدم عليه الصلاة والسلام ما كان له أب ولا أم ولم يلزم من ذلك كونه ابنا لله سبحانه وتعالى فكذا حال عيسى عليه الصلاة والسلام (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) خبر مبتدأ محذوف أى هو الحق أى ما قصصنا عليك من نبأ عيسى من عليه الصلاة والسلام