(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٦)
____________________________________
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) شروع فى بيان الشرائع المتعلقة بدينهم بعد بيان ما يتعلق بدنياهم (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) أى أردتم القيام إليها كما فى قوله تعالى (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) عبر عن إرادة الفعل بالفعل المسبب عنها مجازا للإيجاز والتنبيه على أن من أراد الصلاة حقه أن يبادر إليها بحيث لا ينفك عن إرادتها أو إذا قصدتم الصلاة إطلاقا لاسم أحد لازميها على لازمها الآخر وظاهر الآية الكريمة يوجب الوضوء على كل قائم إليها وإن لم يكن محدثا لما أن الأمر للوجوب قطعا والإجماع على خلافه وقد روى أن النبى صلىاللهعليهوسلم صلى الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد فقال عمر رضى الله تعالى عنه صنعت شيئا لم تكن تصنعه فقال عليه الصلاة والسلام عمدا فعلته يا عمر يعنى بيانا للجواز وحمل الأمر بالنسبة إلى غير المحدث على الندب مما لا مساغ له فالوجه أن الخطاب خاص بالمحدثين بقرينة دلالة الحال واشتراط الحدث فى التيمم الذى هو بدله وما نقل عن النبى صلىاللهعليهوسلم والخلفاء من أنهم كانوا يتوضئون لكل صلاة فلا دلالة فيه على أنهم كانوا يفعلونه بطريق الوجوب أصلا كيف لا وما روى عنه عليه الصلاة والسلام من قوله من توضا على طهر كتب الله له عشر حسنات صريح فى أن ذلك كان منهم بطريق الندب وما قيل كان ذلك أول الأمر ثم نسخ* يرده قوله عليه الصلاة والسلام المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) أى أمروا عليها الماء ولا حاجة إلى الدلك خلافا لمالك (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) الجمهور على دخول المرفقين فى المغسول ولذلك قيل إلى بمعنى مع كما فى قوله تعالى (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) وقيل هى إنما تفيد معنى الغاية مطلقا وأما دخولها فى الحكم أو خروجها منه فلا دلالة لها عليه وإنما هو أمر يدور على الدليل الخارجى كما فى حفظت القرآن من أوله إلى آخره وقوله تعالى (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) فإن الدخول في الأول والخروج فى الثانى متيقن بناء على تحقق الدليل وحيث لم يتحقق ذلك فى الآية وكانت الأيدى متناولة للمرافق حكم بدخولها فيها احتياطا وقيل إلى من حيث إفادتها للغاية تقتضى خروجها لكن لما لم* تتميز الغاية ههنا عن ذى الغاية وجب إدخالها احتياطا (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) الباء مزيدة وقيل للتبعيض فإنه الفارق بين قولك مسحت المنديل ومسحت بالمنديل وتحقيقه أنها تدل على تضمين الفعل معنى الالصاق فكأنه قيل وألصقوا المسح برءوسكم وذلك لا يقتضى الاستيعاب كما يقتضيه ما لو قيل وامسحوا رءوسكم فإنه كقوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) واختلف العلماء فى القدر الواجب فأوجب الشافعى أقل ما ينطلق عليه الاسم أخذا باليقين وأبو حنيفة ببيان رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث مسح على ناصيته وقدرها