(وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (٥٣)
____________________________________
فوجدوا النبى صلىاللهعليهوسلم جالسا مع أناس من ضعفاء المؤمنين فلما رأوهم حوله صلىاللهعليهوسلم حقروهم فأتوه عليه الصلاة والسلام فقالوا يا رسول الله لو جلست فى صدر المسجد ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم فجالسناك وحادثناك وأخذنا عنك فقال صلىاللهعليهوسلم ما أنا بطارد المؤمنين قالوا فإنا نحب أن تجعل لنا معك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا فإن وفود العرب تأتيك فنستحيى أن ترانا مع هؤلاء الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت قال صلىاللهعليهوسلم نعم قالوا فاكتب لنا كتابا فدعا بالصحيفة وبعلى رضى الله تعالى عنه ليكتب ونحن قعود فى ناحية فنزل جبريل عليهالسلام بالآية فرمى عليهالسلام بالصحيفة ودعانا فأتيناه وجلسنا عنده وكنا ندنو منه حتى تمس ركبتنا ركبته وكان يقوم عنا إذا أراد القيام فنزلت واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم فترك القيام عنا إلى أن نقوم عنه وقال الحمد لله الذى لم يمتنى حتى أمرنى أن أصبر نفسى مع قوم من أمتى معكم المحيا ومعكم الممات والمراد بذكر الوقتين الدوام وقيل صلاة الفجر والعصر وقرىء بالغدوة وقوله تعالى (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) حال من ضمير (يَدْعُونَ) أى يدعونه تعالى* مخلصين له فيه وتقييده به لتأكيد عليته للنهى فإن الإخلاص من أقوى موجبات الإكرام المضاد للطرد وقوله تعالى (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) اعتراض وسط بين النهى وجوابه تقريرا له ودفعا لما* عسى يتوهم كونه مسوغا لطردهم من أقاويل الطاعنين فى دينهم كدأب قوم نوح حيث قالوا ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى أى ما عليك شىء ما من حساب إيمانهم وأعمالهم الباطنة حتى تتصدى له وتبنى على ذلك ما تراه من الأحكام وإنما وظيفتك حسبما هو شأن منصب النبوة اعتبار ظواهر الأعمال وإجراء الأحكام على موجبها وأما بواطن الأمور فحسابها على العليم بذات الصدور كقوله تعالى (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي) وذكر قوله تعالى (وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) مع أن الجواب* قدتم بما قبله للمبالغة فى بيان انتفاء كون حسابهم عليه صلىاللهعليهوسلم بنظمه فى سلك ما لا شبهة فيه أصلا وهو انتفاء كون حسابه صلىاللهعليهوسلم عليهم على طريقة قوله تعالى (لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) وأما ما قيل من أن ذلك لتنزيل الجملتين منزلة جملة واحدة لتأدية معنى واحد على نهج قوله تعالى (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) فغير حقيق بجلالة شأن التنزيل وتقديم عليك فى الجملة الأولى للقصد إلى إيراد النفى على اختصاص حسابهم به صلىاللهعليهوسلم إذ هو الداعى إلى تصديه صلىاللهعليهوسلم لحسابهم وقيل الضمير للمشركين والمعنى إنك لا تؤاخذ بحسابهم حتى يهمك إيمانهم ويدعوك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين وقوله تعالى (فَتَطْرُدَهُمْ) جواب* النفى وقوله تعالى (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) جواب النهى وقد جوز عطفه على فتطردهم على طريقة التسبيب* وليس بذاك (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) استئناف مبين لما نشأ عنه ما سبق من النهى وذلك إشارة إلى مصدر ما بعده من الفعل الذى هو عبارة عن تقديمه تعالى لفقراء المؤمنين فى أمر الدين بتوفيقهم للإيمان