(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥٤)
____________________________________
مع ما هم عليه فى أمر الدنيا من كمال سوء الحال وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو درجة المشار إليه وبعد منزلته فى الكمال والكاف مقحمة لتأكيد ما أفاده اسم الإشارة من الفخامة ومحلها فى الأصل النصب على أنه نعت لمصدر مؤكد محذوف والتقدير فتنابعضهم ببعض فتونا كائنا مثل ذلك الفتون ثم قدم على الفعل لإفادة القصر المفيد لعدم القصور فقط واعتبرت الكاف مقحمة فصار نفس المصدر المؤكد لا نعتا له والمعنى ذلك الفتون الكامل البديع فتنا أى ابتلينا بعض الناس ببعضهم لا فتونا غيره حيث قدمنا الآخرين* فى أمر الدين على الأولين المتقدمين عليهم فى أمر الدنيا تقدما كليا واللام فى قوله تعالى (لِيَقُولُوا) للعاقبة أى ليقول البعض الأولين مشيرين إلى الآخرين محقرين لهم نظرا إلى ما بينهما من التفاوت الفاحش الدنيوى* وتعاميا عما هو مناط التفضيل حقيقة (أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) بأن وفقهم لإصابة الحق ولما يسعدهم عنده تعالى من دوننا ونحن المقدمون والرؤساء وهم العبيد والفقراء وغرضهم بذلك إنكار وقوع المن رأسا على طريقة قولهم لو كان خيرا ما سبقونا إليه لا تحقير الممنون عليهم مع الاعتراف بوقوعه* بطريق الاعتراض عليه تعالى وقوله تعالى (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) رد لقولهم ذلك وإبطال له وإشارة إلى أن مدار استحقاق الإنعام معرفة شأن النعمة والاعتراف بحق المنعم والاستفهام لنقرير علمه البالغ بذلك أى أليس الله بأعلم بالشاكرين لنعمه حتى تستبعدوا إنعامه عليهم وفيه من الإشارة إلى أن أولئك الضعفاء عارفون بحق نعم الله تعالى فى تنزيل القرآن والتوفيق للإيمان شاكرون له تعالى على ذلك مع التعريض بأن القائلين بمعزل من ذلك كله ما لا يخفى (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا) هم الذين نهى عن طردهم وصفوا بالإيمان بآيات الله عزوجل كما وصفوا بالمداومة على عبادته تعالى بالإخلاص تنبيها على إحرازهم لفضيلتى العلم والعمل وتأخير هذا الوصف مع تقدمه على الوصف الأول لما أن مدار الوعد بالرحمة والمغفرة هو الإيمان بها كما أن مناط النهى عن الطرد فيما سبق هو المداومة على العبادة وقوله* تعالى (فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أمر بتبشيرهم بالسلامة عن كل مكروه بعد إنذار مقابليهم وقيل بتبليغ سلامه* تعالى إليهم وقيل بأن يبدأهم بالسلام وقوله تعالى (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أى قضاها وأوجبها على ذاته المقدسة بطريق التفضل والإحسان بالذات لا بتوسط شىء ما أصلا تبشير لهم بسعة رحمته تعالى وبنيل المطالب إثر تبشيرهم بالسلامة عن المكاره وقبوله التوبة منهم وفى التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم إظهار اللطف بهم والإشعار بعلة الحكم وقيل إن قوما جاءوا إلى النبى صلىاللهعليهوسلم فقالوا* إنا أصبنا ذنوبا عظاما فلم يرد عليهم شيئا فانصرفوا فنزلت وقوله تعالى (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً) بدل* من الرحمة وقرىء بكسر إنه على أنه تفسير للرحمة بطريق الاستئناف وقوله تعالى (بِجَهالَةٍ) حال من فاعل (عَمِلَ) أى عمله وهو جاهل بحقيقة ما يتبعه من المضار والتقييد بذلك للإيذان بأن المؤمن لا يباشر ما يعلم أنه