(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (٦٦)
____________________________________
وقوله تعالى (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً) استئناف مسوق لبيان أنه تعالى هو القادر على إلقائهم فى المهالك إثر بيان أنه هو المنجى لهم منها وفيه وعيد ضمنى بالعذاب لإشراكهم المذكور على طريقة قوله عزوجل (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ) إلى قوله تعالى (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى) الآية وعليكم متعلق بيبعث وتقديمه على مفعوله الصريح للاعتناء به والمسارعة إلى بيان كون المبعوث مما يضرهم ولتهويل* أمر المؤخر وقوله تعالى (مِنْ فَوْقِكُمْ) متعلق به أيضا أو بمحذوف وقع صفة لعذابا أى عذابا كائنا من* جهة الفوق كما فعل بمن فعل من قوم لوط وأصحاب الفيل وأضرابهم (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) أو من جهة السفل كما فعل بفرعون وقارون وقيل من فوقكم أكابركم ورؤسائكم ومن تحت أرجلكم سفلتكم* وعبيدكم وكلمة أو لمنع الخلو دون الجمع فلا منع لما كان من الجهتين معا كما فعل بقوم نوح (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) أى يخلطكم فرقا متحزبين على أهواء شتى كل فرقة مشايعة لإمام فينشب بينكم القتال فتختلطوا* فى الملاحم كقول الحماسى[وكتيبة لبستها بكتيبة * حتى إذا التبست نفضت لها يدى] (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) عطف على يبعث وقرىء بنون العظمة على طريقة الالتفات لتهويل الأمر والمبالغة فى التحذير والبعض الأول الكفار والآخر المؤمنون ففيه وعد ووعيد عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال عند قوله تعالى (عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) أعوذ بوجهك وعند قوله تعالى (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) أعوذ بوجهك وعند قوله تعالى (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) هذا أهون أو هذا أيسر وعنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال سألت ربى أن لا يبعث على أمتى عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم فأعطانى ذلك وسألته أن لا يجعل بأسهم* بينهم فمنعنى ذلك (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) من حال إلى حال (لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) كى يفقهوا ويقفوا على جلية الأمر فيرجعوا عماهم عليه من المكابرة والعناد (وَكَذَّبَ بِهِ) أى بالعذاب الموعود أو القرآن* المجيد الناطق بمجيئه (قَوْمُكَ) أى المعاندون منهم ولعل إيرادهم بهذا العنوان للإيذان بكمال سوء حالهم فإن تكذيبهم بذلك مع كونهم من قومه صلىاللهعليهوسلم مما يقضى بغاية عتوهم ومكابرتهم وتقديم الجار والمجرور* على الفاعل لما مر مرارا من إظهار الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر وقوله تعالى (وَهُوَ الْحَقُّ) حال من الضمير المجرور أى كذبوا به والحال أنه الواقع لا محالة أو إنه الكتاب الصادق فى كل ما نطق به وقيل* هو استئناف وأيا ما كان ففيه دلالة على عظم جنايتهم ونهاية قبحها (قُلْ) لهم منبها على ما يئول إليه أمرهم* وعلى أنك قد أديت ما عليك من وظائف الرسالة (لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) بحفيظ وكل إلى أمركم لا منعكم من التكذيب وأجبركم على التصديق إنما أنا منذر وقد خرجت عن العهدة حيث أخبرتكم بما سترونه