(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (١٠٢)
____________________________________
بانتقال مادته عنه فكيف يمكن أن يكون له ولد وقرىء بديع بالنصب على المدح وبالجر على أنه بدل من الاسم الجليل أو من الضمير المجرور فى سبحانه على رأى من يجيزه وارتفاعه فى القراءة المشهورة على أنه خبر مبتدأ محذوف أو فاعل تعالى وإظهاره فى موضع الإضمار لتعليل الحكم وتوسيط الظرف بينه وبين الفعل للاهتمام ببيانه أو مبتدأ خبره قوله تعالى (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ) وهو على الأولين جملة* مستقلة مسوقة كما قبلها لبيان استحالة ما نسبوه إليه تعالى وتقرير تنزهه عنه وقوله تعالى (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) حال مؤكدة للاستحالة المذكورة فإن انتفاء أن يكون له تعالى صاحبة مستلزم لانتفاء أن يكون له ولد ضرورة استحالة وجود الولد بلا والدة وإن أمكن وجوده بلا والد وانتفاء الأول مما لا ريب فيه لأحد فمن ضرورته انتفاء الثانى أى من أين أو كيف يكون له ولد كما زعموا والحال أنه ليس له على زعمهم أيضا صاحبة يكون الولد منها وقرىء لم يكن بتذكير الفعل للفصل أو لأن الاسم ضميره تعالى والخبر هو الظرف وصاحبة مرتفع به على الفاعلية لاعتماده على المبتدأ أو الظرف خبر مقدم وصاحبة مبتدأ مؤخر والجملة خبر للكون وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون الاسم ضمير الشأن لصلاحية الجملة حينئذ لأن تكون مفسرة لضمير الشأن لا على الوجه الأول لما بين فى موضعه أن ضمير الشأن لا يفسر إلا بجملة صريحة وقوله تعالى (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) إما جملة مستأنفة أخرى سيقت لتحقيق ما ذكر من الاستحالة أو حال أخرى* مقررة لها أى أنى يكون له ولد والحال أنه خلق كل شىء انتظمه التكوين والإيجاد من الموجودات التى من جملتها ما سموه ولدا له تعالى فكيف يتصور أن يكون المخلوق ولدا لخالقه (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ) من شأنه أن* يعلم كائنا ما كان مخلوقا أو غير مخلوق كما ينبىء عنه ترك الإضمار إلى الإظهار (عَلِيمٌ) مبالغ فى العلم أزلا وأبدا* حسبما يعرب عنه العدول إلى الجملة الاسمية فلا يخفى عليه خافية مما كان وما سيكون من الذوات والصفات والأحوال التى من جملتها ما يجوز عليه تعالى وما لا يجوز من المحالات التى ما زعموه فرد من أفرادها والجملة استئناف مقرر لمضمون ما قبلها من الدلائل القاطعة ببطلان مقالتهم الشنعاء التى اجترءوا عليها بغير علم (ذلِكُمُ) إشارة إلى المنعوت بما ذكر من جلائل النعوت وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو شأن المشار إليه وبعد منزلته فى العظمة والخطاب للمشركين المعهودين بطريق الالتفات وهو مبتدأ وقوله تعالى (اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) أخبار أربعة مترادفة أى ذلك الموصوف بتلك الصفات العظيمة هو الله المستحق للعبادة خاصة مالك أمركم لا شريك له أصلا خالق كل شىء مما كان ومما سيكون فلا تكرار إذ المعتبر فى عنوان الموضوع إنما هو خالقيته لما كان فقط كما ينبىء عنه صيغة الماضى وقيل الخبر هو الأول والبواقى أبدال وقيل الاسم الجليل بدل من المبتدأ والبواقى أخبار وقيل يقدر لكل من الأخبار الثلاثة مبتدأ وقيل يجعل الكل بمنزلة اسم واحد وقوله تعالى (فَاعْبُدُوهُ) حكم مترتب على مضمون الجملة فإن من* جمع هذه الصفات كان هو المستحق للعبادة خاصة وقوله تعالى (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) عطف على الجملة*