(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (١٢٥)
____________________________________
إيتاء مثل إيتاء رسل الله وأما ما قيل من أن الوليد بن المغيرة قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم لو كانت النبوة حقا لكنت أولى بها منك لأنى أكبر منك سنا وأكثر منك ما لا وولدا فنزلت فلا تعلق له بكلامهم المردود إلا أن يراد بالإيمان المعلق بما ذكر مجرد الإيمان بكون الآية النازلة وحيا صادقا لا الإيمان بكونها نازلة إليه عليه الصلاة والسلام فيكون المعنى وإذا جاءتهم آية نازلة إلى الرسول قالوا لن نؤمن بنزولها من عند الله حتى يكون نزولها إلينا لا إليه لأنا نحن المستحقون دونه فإن ملخص معنى قوله لو كانت النبوة حقا الخ لو كان ما تدعيه من النبوة حقا لكنت أنا النبى لا أنت وإذ لم يكن الأمر كذلك فليست بحق وما له تعليق الإيمان بحقية النبوة بكون نفسه نبيا ومثل ما أوتى نصب على أنه نعت لمصدر محذوف وما مصدرية أى حتى نؤتاها إيتاء مثل إيتاء رسل الله وإضافة الإيتاء إليهم لأنهم منكرون لإيتائه صلىاللهعليهوسلم وحيث نصب على المفعولية توسعا لا بنفس أعلم لما عرفت من أنه لا يعمل فى الظاهر بل بفعل دل هو عليه أى هو أعلم يعلم الموضع الذى يضعها فيه والمعنى أن منصب الرسالة ليس مما ينال بكثرة المال والولد وتعاضد الأسباب والعدد وإنما ينال بفضائل نفسانية يخصها الله تعالى بمن يشاء من خلص عباده وقرىء رسالاته (سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) استئناف آخر ناع عليهم ما سيلقونه من فنون الشر بعد مانعى عليهم حرمانهم مما أملوه والسين للتأكيد ووضع الموصول موضع الضمير للإشعار بأن إصابة ما يصيبهم لإجرامهم المستتبع لجميع الشرور والقبائح أى يصيبهم البتة مكان ما تمنوه وعلقوا به أطماعهم الفارغة من عزة النبوة وشرف الرسالة (صَغارٌ) * أى ذلة وحقارة بعد كبرهم (عِنْدَ اللهِ) أى يوم القيامة وقيل من عند الله (وَعَذابٌ شَدِيدٌ) فى الآخرة* أو فى الدنيا (بِما كانُوا يَمْكُرُونَ) أى بسبب مكرهم المستمر أو بمقابلته وحيث كان هذا من معظم* مواد إجرامهم صرح بسببيته (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) أى يعرفه طريق الحق ويوفقه للإيمان (يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) فيتسع له وينفتح وهو كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيئة لحلوله فيها مصفاة عما يمنعه وينافيه وإليه أشار عليه الصلاة والسلام حين سئل فقال نور يقذفه الله فى قلب المؤمن فينشرح له وينفتح فقالوا هل لذلك من أمارة يعرف بها فقال نعم الإنابة إلى دار الخلود والإعراض عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ) أى يخلق فيه الضلال بصرف اختياره* إليه (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يكاد يدخله الإيمان وقرىء ضيقا بالتخفيف* وحرجا بكسر الراء أى شديد الضيق والأول مصدر وصف به مبالغة (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ) ما هذه مهيئة لدخول* كأن على الجمل الفعلية (فِي السَّماءِ) شبه للمبالغة فى ضيق صدره بمن يزاول ما لا يكاد يقدر عليه فإن صعود* السماء مثل فيما هو خارج عن دائرة الاستطاعة وفيه تنبيه على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع منه الصعود وقيل معناه كأنما يتصاعد إلى السماء نبوا عن الحق وتباعدا فى الهرب منه وأصل يصعد يتصعد وقد قرىء به وقرىء يصاعد وأصله يتصاعد (كَذلِكَ) أى مثل ذلك الجعل الذى هو جعل الصدر حرجا