(وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) (١٣٠)
____________________________________
والمخاوف واستمتاعهم بالإنس اعترافهم بأنهم قادرون على إجارتهم (وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) * وهو يوم القيامة قالوه اعترافا بما فعلوا من طاعة الشياطين واتباع الهوى وتكذيب البعث وإظهارا للندامة عليها وتحسرا على حالهم واستسلاما لربهم ولعل الاقتصار على حكاية كلام الضالين للإيذان بأن المضلين قد أفحموا بالمرة فلم يقدروا على التكلم أصلا (قالَ) استئناف مبنى على سؤال نشأ من حكايه* كلامهم كأنه قيل فماذا قال الله تعالى حينئذ فقيل قال (النَّارُ مَثْواكُمْ) أى منزلكم أو ذات ثوائكم كما أن دار* السلام مثوى المؤمنين (خالِدِينَ فِيها) حال والعامل مثواكم إن جعل مصدرا ومعنى الإضافة إن جعل مكانا* (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) قال ابن عباس رضى الله عنهما استثنى الله تعالى قوما قد سبق فى علمه أنهم يسلمون* ويصدقون النبى صلىاللهعليهوسلم وهذا مبنى على أن الاستثناء ليس من المحكى وما بمعنى من وقيل المعنى إلا الأوقات التى ينقلون فيها من النار إلى الزمهرير فقد روى أنهم يدخلون واديا فيه من الزمهرير ما يميز بعض أوصالهم من بعض فيتعاوون ويطلبون الرد إلى الجحيم وقيل يفتح لهم وهم فى النار باب إلى الجنة فيسرعون نحوه حتى إذا صاروا إليه سد عليهم الباب وعلى التقديرين فالاستثناء تهكم بهم وقيل إلا ما شاء الله قبل الدخول كأنه قيل النار مثواكم أبدا إلا ما أمهلكم ولا يخفى بعده (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ) فى أفاعيله (عَلِيمٌ) بأحوال الثقلين* وأعمالهم وبما يليق بها من الجزاء (وَكَذلِكَ) أى مثل ما سبق من تمكين الجن من إغواء الإنس وإضلالهم (نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ) من الإنس (بَعْضاً) آخر منهم أى نجعلهم بحيث يتولونهم بالإغواء والإضلال أو نجعل بعضهم قرناء بعض فى العذاب كما كانوا كذلك فى الدنيا عند اقتراف ما يؤدى إليه من القبائح (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) بسبب ما كانوا مستمرين على كسبه من الكفر والمعاصى (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) شروع فى حكاية ما سيكون من توبيخ المعشرين وتقريعهم بتفريطهم فيما يتعلق بخاصة أنفسهم إثر حكاية توبيخ معشر الجن بإغواء الإنس وإضلالهم وبيان مآل أمرهم (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) أى فى الدنيا (رُسُلٌ) أى من* عند الله عزوجل لكن لا على أن يأتى كل رسول كل واحدة من الأمم بل على أن يأتى كل أمة رسول خاص بها أى ألم يأت كل أمة منكم رسول معين وقوله تعالى (مِنْكُمْ) متعلق بمحذوف وقع صفة لرسل* أى كائنة من جملتكم لكن لا على أنهم من جنس الفريقين معا بل من الإنس خاصة وإنما جعلوا منهما إما لتأكيد وجوب اتباعهم والإيذان بتقاربهما ذاتا واتحادهما تكليفا وخطابا كأنهما جنس واحد ولذلك تمكن أحدهما من إضلال الآخر وإما لأن المراد بالرسل ما يعم رسل الرسل وقد ثبت أن الجن قد استمعوا القرآن وأنذروا به قومهم حيث نطق به قوله تعالى (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ