(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) (١٤٦)
____________________________________
أصابه الضرورة الداعية إلى أكل الميتة بوجه من الوجوه المضطرة (غَيْرَ باغٍ) فى ذلك على مضطر آخر* مثله (وَلا عادٍ) قدر الضرورة (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) مبالغ فى المغفرة والرحمة لا يؤاخذه بذلك وليس* التقييد بالحال الأولى لبيان أنه لو لم يوجد القيد لتحققت الحرمة المبحوث عنها بل للتحذير من حرام آخر هو أخذه حق مضطر آخر فإن من أخذ لحم الميتة من يد مضطر آخر فأكله فإن حرمته ليست باعتبار كونه لحم المنيتة بل باعتبار كونه حقا للمضطر الآخر وأما الحال الثانية فلتحقيق زوال الحرمة المبحوث عنها قطعا فإن التجاوز عن القدر الذى يسد به الرمق حرام من حيث إنه لحم الميتة وفى التعرض لوصفى المغفرة والرحمة إيذان بأن المعصية باقية لكنه تعالى يغفر له ويرحمه والآية محكمة لأنها تدل على أنه صلىاللهعليهوسلم لم يجد فيما أوحى إليه إلى تلك الغاية غيره ولا ينافيه ورود التحريم بعد ذلك فى شىء آخر فلا يصح الاستدلال بها على نسخ الكتاب بخبر الواحد ولا على حل الأشياء التى هى غيرها إلا مع الاستصحاب (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) خاصة لا على من عداهم من الأولين والآخرين (حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) أى كل ماله أصبع من الإبل والسباع والطيور وقيل كل ذى مخلب وحافر وسمى الحافر ظفرا مجازا والمسبب عن الظلم هو تعميم التحريم حيث كان بعض ذوات الظفر حلالا لهم فلما ظلموا عم التحريم كلها وهذا تحقيق لما سلف من حصر المحرمات فيما فصل بإبطال ما يخالفه من فرية اليهود وتكذيبهم فى ذلك فإنهم كانوا يقولون لسنا أول من حرمت عليه وإنما كانت محرمة على نوح وإبراهيم ومن بعدهما حتى انتهى الأمر إلينا (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) لا لحومهما فإنها باقية على الحل والشحوم الثروب وشحوم الكلى* والإضافة لزيادة الربط (إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) استثناء من الشحوم مخرج لما علق من الشحم بظهورهما* عن حكم التحريم (أَوِ الْحَوايا) عطف على (ظُهُورُهُما) أى ما حملته الحوايا وهى جمع حاوية أو حاوياء كقاصعاء* وقواصع أو حوية كسفينة وسفائن (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) عطف على (ما حَمَلَتْ) وهو شحم الألية واختلاطه* بالعظم اتصاله بعجب الذنب وقيل هو كل شحم متصل بالعظم من الأضلاع وغيرها (ذلِكَ) إشارة إلى* الجزاء أو التحريم فهو على الأول نصب على أنه مصدر مؤكد لما بعده وعلى الثانى على أنه مفعول ثان له أى ذلك التحريم (جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) بسبب ظلمهم وهو قتلهم الأنبياء بغير حق وأكلهم الربا وقد نهوا عنه* وأكلهم أموال الناس بالباطل كقوله تعالى (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) وكانوا كلما أتوا بمعصية عوقبوا بتحريم شىء مما أحل لهم وهم ينكرون ذلك ويدعون أنها لم تزل محرمة على الأمم فرد ذلك عليهم وأكد بقوله تعالى (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) أى فى جميع أخبارنا التى من جملتها هذا الخبر ولقد* ألقمهم الحجر قوله تعالى (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) روى أنه صلىاللهعليهوسلم لما قال لهم ذلك بهتوا ولم يجسروا أن