(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (١٤٩)
____________________________________
يخرجوا التوراة كيف وقد بين فيها جميع ما يحذرون أوضح بيان (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) قيل الضمير لليهود لأنهم أقرب ذكرا ولذكر المشركين بعد ذلك بعنوان الإشراك وقيل للمشركين فالمعنى على الأول إن كذبتك* اليهود فى الحكم المذكور وأصروا على ما كانوا عليه من ادعاء قدم التحريم (فَقُلْ) لهم (رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) * لا يؤاخذكم بكل ما تأتونه من المعاصى ويمهلكم على بعضها (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) بالكلية (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) فلا تنكروا ما وقع منه تعالى من تحريم بعض الطيبات عليكم عقوبة وتشديدا وعلى الثانى فإن كذبك المشركون فيما فصل من أحكام التحليل والتحريم فقل لهم ربكم ذو رحمة واسعة لا يعاجلكم بالعقوبة على تكذيبكم فلا تغتروا بذلك فإنه إمهال لا إهمال وقيل ذو رحمة للمطيعين وذو بأس شديد على المجرمين فأقيم مقامه قوله تعالى (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) الخ لتضمنه التنبيه على إنزال البأس عليهم مع الدلالة على أنه لا حق بهم البتة من غير صارف يصرفه عنهم أصلا (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) حكاية لفن آخر من كفرهم وإخباره قبل وقوعه ثم وقوعه حسبما أخبر به كما يحكيه قوله تعالى عند وقوعه (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) صريح فى أنه من عند الله (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) أى لو شاء خلاف ذلك مشيئة ارتضاء* لما فعلنا الإشراك نحن (وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) أرادوا به أن ما فعلوه حق مرضى عند الله تعالى لا الاعتذار من ارتكاب هذه القبائح بإرادة الله تعالى إياها منهم حتى ينتهض ذمهم به دليلا للمعتزلة ألا* يرى إلى قوله تعالى (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أى مثل ما كذبك هؤلاء فى أنه تعالى منع من الشرك* ولم يحرم ما حرموه كذب متقدموهم الرسل فإنه صريح فيما قلنا وعطف آباؤنا على الضمير للفصل بلا (حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) الذى أنزلنا عليهم بتكذيبهم (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ) من أمر معلوم يصح الاحتجاج به* على ما زعمتم (فَتُخْرِجُوهُ لَنا) أى فتظهروه لنا (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) أى ما تتبعون فى ذلك إلا الظن* الباطل الذى لا يغنى من الحق شيئا (وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) تكذبون على الله عزوجل وليس فيه دلالة على المنع من اتباع الظن على الإطلاق بل فيما يعارضه قطعى (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) الفاء جواب شرط محذوف أى وإذ قد ظهر أن لا حجة لكم فلله الحجة البالغة أى البينة الواضحة التى بلغت غاية المتانة والثبات أو بلغ بها صاحبها صحة دعواه والمراد بها الكتاب والرسول والبيان وهى من الحجج بمعنى القصد كأنها* تقصد إثبات الحكم وتطلبه (فَلَوْ شاءَ) هدايتكم جميعا (لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) بالتوفيق لها والحمل عليها ولكن