(لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٦١)
____________________________________
(لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) هو جواب قسم محذوف أى والله لقد أرسلنا الخ واطراد استعمال هذه اللام مع قد لكون مدخولها مظنة للتوقع الذى هو معنى قد فإن الجملة القسمية إنما تساق لتأكيد الجملة المقسم عليها ونوح هو ابن لمك بن متوشلح بن أخنوخ وهو إدريس النبى عليهماالسلام. قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما بعث عليه الصلاة والسلام على رأس أربعين سنة من عمره ولبث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة فكان عمره ألفا ومائتين وأربعين سنة وقال مقاتل بعث وهو ابن مائة سنة وقيل وهو ابن خمسين سنة وقيل وهو ابن مائتين وخمسين سنة ومكث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة فكان عمره ألفا وأربعمائة وخمسين سنة (فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أى اعبدوه وحده وترك التقييد به للإيذان بأنها العبادة حقيقة وأما العبادة بالإشراك فليست من العبادة فى شىء وقوله تعالى (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) أى من مستحق للعبادة استئناف مسوق لتعليل العبادة* المذكورة أو الأمر بها وغيره بالرفع صفة لإله باعتبار محله الذى هو الرفع على الابتداء أو الفاعلية وقرىء بالجر باعتبار لفظه وقرىء بالنصب على الاستثناء وحكم غير حكم الاسم الواقع بعد إلا أى مالكم من إله إلا إياه كقولك ما فى الدار من أحد إلا زيد أو غير زيد فمن إله إن جعل مبتدأ فلكم خبره أو خبره محذوف ولكم للتخصيص والتبيين أى مالكم فى الوجود أو فى العالم إله غير الله (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) أى إن لم تعبدوه* حسبما أمرت به (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) هو يوم القيامة أو يوم الطوفان والجملة تعليل للعبادة ببيان الصارف* عن تركها إثر تعليلها ببيان الداعى إليها ووصف اليوم بالعظم لبيان عظم ما يقع فيه وتكميل الإنذار (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ) استئناف مبنى على سؤال نشأ من حكاية قوله عليهالسلام كأنه قيل فماذا قالوا له عليهالسلام فى مقابلة نصحه فقيل قال الرؤساء من قومه والأشراف الذين يملئون صدور المحافل بأجرامهم والقلوب بجلالهم وهيبتهم والأبصار بجمالهم وأبهتهم (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ) أى ذهاب عن طريق الحق والصواب* والرؤية قلبية ومفعولاها الضمير والظرف (مُبِينٍ) بين كونه ضلالا (قالَ) استئناف كما سبق (يا قَوْمِ) ناداهم بإضافتهم إليه استمالة لقلوبهم نحو الحق (لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) أى شىء ما من الضلال قصد عليه الصلاة* والسلام تحقيق الحق فى نفى الضلال عن نفسه ردا على الكفرة حيث بالغوا فى إثباته له عليه الصلاة والسلام حيث جعلوه مستقرا فى الضلال الواضح كونه ضلالا وقوله تعالى (فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) * استدراك مما قبله باعتبار ما يستلزمه من كونه فى أقصى مراتب الهداية فإن رسالة رب العالمين مستلزمة