(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٧٣)
____________________________________
فيها إلى أن ماتوا (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) عطف على ما سبق من قوله تعالى (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) موافق له فى تقديم المجرور على المنصوب وثمود قبيلة من العرب سموا باسم أبيهم الأكبر ثمود بن عابر بن إرم ابن سام بن نوح عليهالسلام وقيل إنما سموا بذلك لقلة مائهم من الثمد وهو الماء القليل وقرىء بالصرف بتأويل الحى وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام إلى وادى القرى وأخوة صالح عليهالسلام لهم من حيث النسب كهود عليهالسلام فإنه صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود ولما كان الإخبار بإرساله عليهالسلام إليهم مظنة لأن يسأل ويقال فماذا قال لهم قيل جوابا عنه بطريق الاستئناف (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) وقد مر الكلام فى نظائره (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ) أى آية* ومعجزة ظاهرة شاهدة بنبوتى وهى من الألفاظ الجارية مجرى الأبطح والأبرق فى الاستغناء عن ذكر موصوفانها حالة الإفراد والجمع كالصالح إفرادا وجمعا وكذلك الحسنة والسيئة سواء كانتا صفتين للأعمال أو المثوبة أو الحالة من الرخاء والشدة ولذلك أو ليت العوامل وقوله تعالى (مِنْ رَبِّكُمْ) متعلق ب (جاءَتْكُمْ) او بمحذوف هو صفة لبينة كما مر مرارا والمراد بها الناقة وليس هذا الكلام منه عليهالسلام أول ما خاطبهم إثر دعوتهم إلى التوحيد بل إنما قاله بعد ما نصحهم وذكرهم بنعم الله تعالى فلم يقبلوا كلامه وكذبوه ألا يرى إلى ما فى سورة هود من قوله تعالى (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) إلى آخر الآيات. روى أنه لما أهلكت عاد عمرت ثمود بلادها وخلفوهم فى الأرض وكثروا وعمروا أعمارا طوالا حتى إن الرجل كان بينى المسكن المحكم فينهدم فى حياته فنحتوا البيوت من الجبال وكانوا فى سعة ورخاء من العيش فعتوا على الله تعالى وأفسدوا فى الأرض وعبدوا الأوثان فبعث الله تعالى إليهم صالحا وكانوا قوما عربا وصالح من أوساطهم نسبا فدعاهم إلى الله عزوجل فلم يتبعه إلا قليل منهم مستضعفون فحذرهم وأنذرهم فسألوه آية فقال أية آية تريدون قالوا تخرج معنا إلى عيدنا فى يوم معلوم لهم من السنة فتدعو إلهك وندعوا آلهتنا فإن استجيب لك اتبعناك وإن استجيب لنا اتبعتنا فقال صالح عليهالسلام نعم فخرج معهم ودعوا أوثانهم وسألوا الاستجابة فلم تجبهم ثم قال سيدهم جندع بن عمرو وأشار إلى صخرة منفردة فى ناحية الجبل يقال لها الكاثبة أخرج لنا من هذه الصخرة ناقة مخترجة جوفاء وبراء والمخترجة التى شاكلت البخت فإن فعلت صدقناك وأجبناك فأخذ صالح عليهالسلام عليهم المواثيق لئن فعلت ذلك لتؤمنن ولتصدقن قالوا نعم فصلى ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها إلا الله تعالى وعظماؤهم ينظرون ثم نتجت ولدا مثلها فى العظم فآمن به جندع ورهط من قومه ومنع أعقابهم ناس من رءوسهم أن نؤمنوا فمكثت الناقة مع ولدها ترعى الشجر وتشرب الماء