(وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (١٧٦)
____________________________________
على المضمر العامل فى إذ أخذ وارد على نمطه فى الأنباء عن الحور بعد الكور والضلالة بعد الهدى أى* واتل على اليهود (نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا) أى خبره الذى له شأن وخطر وهو أحد علماء بنى إسرائيل وقيل هو بلعم بن باعوراء أو بلعام بن باعر من الكنعانيين أوتى علم بعض كتب الله تعالى وقيل هو أمية بن أبى الصلت وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله تعالى مرسل فى ذلك الزمان رسولا ورجا أن يكون هو الرسول فلما بعث الله تعالى النبى صلىاللهعليهوسلم حسده وكفر به والأول هو الأنسب بمقام توبيخ اليهود بهناتهم* (فَانْسَلَخَ مِنْها) أى من تلك الآيات انسلاخ الجلد من الشاة ولم يخطرها بباله أصلا أو خرج منها بالكلية بأن كفر بها ونيذها وراء ظهره وأيا ما كان فالتعبير عنه بالانسلاخ المنبىء عن اتصال المحيط بالمحاط* خلقة وعن عدم الملاقاة بينهما أبدا للإيذان بكمال مباينته للآيات بعد أن كان بينهما كمال الاتصال (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) أى تبعه حتى لحقه وأدركه فصار قرينا له وهو المعنى على قراءة فاتبعه من الافتعال وفيه تلويح* بأنه أشد من الشيطان غواية أو أتبعه خطواته (فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) فصار من زمرة الضالين الراسخين فى الغواية بعد أن كان من المهتدين وروى أن قومه طلبوا إليه أن يدعوا على موسى عليهالسلام فقال كيف أدعو على من معه الملائكة فلم يزالوا به حتى فعل فبقوا فى التيه ويرده أن التيه كان لموسى عليهالسلام روحا وراحة وإنما عذب به بنو إسرائيل وقد كان ذلك بدعائه عليهالسلام عليهم كما مر فى سورة المائدة (وَلَوْ شِئْنا) كلام مستأنف مسوق لبيان مناط ما ذكر من انسلاخه من الآيات ووقوعه فى مهاوى الغواية ومفعول المشيئة محذوف لوقوعها شرطا وكون مفعولها مضمون الجزاء على القاعدة المستمرة* أى ولو شئنا رفعه (لَرَفَعْناهُ) أى إلى المنازل العالية للأبرار العالمين بتلك الآيات العاملين بموجبها لكن لا بمحض مشيئتنا من غير أن يكون له دخل فى ذلك أصلا فإنه مناف للحكمة التشريعية المؤسسة على تعليق الأجزية بالأفعال الاختيارية للعباد بل مع مباشرته للعمل المؤدى إلى الرفع بصرف اختياره إلى تحصيله* كما ينبىء عنه قوله تعالى (بِها) أى بسبب تلك الآيات بأن عمل بموجبها فإن اختياره وإن لم يكن مؤثرا فى حصوله ولا فى ترتب الرفع عليه بل كلاهما بخلق الله تعالى لكن خلقه تعالى منوط بذلك البتة حسب جريان العادة الإلهية وقد أشير إلى ذلك فى الاستدراك بأن أسند ما يؤدى إلى نقيض التالى إليه حيث* قيل (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) مع أن الإخلاد إليها أيضا مما لا يتحقق عند صرف اختياره إليه إلا بخلقه تعالى كأنه قيل ولو شئنا رفعه بمباشرته لسببه لرفعناه بسبب تلك الآيات التى هى أقوى أسباب الرفع ولكن لم نشأه لمباشرته لسبب نقيضه فترك فى كل من المقامين ما ذكر فى الآخر تعويلا على إشعار المذكور بالمطوى كما فى قوله تعالى (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ