(ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (١٧٧) مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (١٧٨)
____________________________________
عما هم عليه من الكفر والضلال ويعلمون أنك قد علمته من جهة الوحى فيزدادون إيقانا بك والجملة فى محل النصب على أنها حال من ضمير المخاطب أو على أنها مفعول له أى فاقصص القصص راجيا لتفكرهم أى أو رجاء لتفكرهم (ساءَ مَثَلاً) استئناف مسوق لبيان كمال قبح حال المكذبين بعد بيان كونه كحال الكلب أو المنسلخ وساء بمعنى بئس وفاعلها مضمر فيها ومثلا تمييز مفسر له والمخصوص بالذم قوله تعالى* (الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) وحيث وجب التصادق بينه وبين الفاعل والتمييز وجب المصير إلى تقدير مضاف إما إليه وهو الظاهر أى ساء مثلا مثل القوم الخ أو إلى التمييز أى ساء أصحاب مثل القوم الخ وقرىء ساء مثل القوم وإعادة القوم موصوفا بالموصول مع كفاية الضمير بأن يقال ساء مثلا مثلهم* للإيذان بأن مدار السوء ما فى حيز الصلة ولربط قوله تعالى (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) به فإنه إما معطوف على (كَذَّبُوا) داخل معه فى حكم الصلة بمعنى جمعوا بين تكذيب آيات الله بعد قيام الحجة عليها وعلمهم بها وبين ظلمهم لأنفسهم خاصة أو منقطع عنه بمعنى وما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم فإن وباله لا يتخطاها وأيا ما كان ففى يظلمون لمح إلى أن تكذيبهم بالآيات متضمن للظلم وأن ذلك أيضا معتبر فى القصر المستفاد من تقديم المفعول (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) لما أمر النبى صلىاللهعليهوسلم بأن يقص قصص المنسلخ على هؤلاء الضالين الذين مثلهم كمثله ليتفكروا فيه ويتركوا ما هم عليه من الإخلاد إلى الضلالة ويهتدوا إلى الحق عقب ذلك بتحقيق أن الهداية والضلالة من جهة الله عزوجل وإنما العظة والتذكير من قبيل الوسائط العادية فى حصول الاهتداء من غير تأثير لها فيه سوى كونها دواعى إلى صرف العبد اختياره نحو تحصيله حسبما نيط به خلق الله تعالى إياه كسائر أفعال العباد فالمراد بهذه الهداية ما يوجب الاهتداء قطعا لكن لا لأن حقيقتها الدلالة الموصلة إلى البغية البتة بل لأنها الفرد الكامل من حقيقة الهداية التى هى الدلالة إلى ما يوصل إلى البغية أى ما من شأنه الإيصال إليها كما سبق تحقيقه فى تفسير قوله تعالى (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) وليس المراد مجرد الإخبار باهتداء من هداه الله تعالى حتى يتوهم عدم الإفادة بحسب الظاهر لظهور استلزام هدايته تعالى للاهتداء ويحمل النظم الكريم على تعظيم شأن الاهتداء والتنبيه على أنه فى نفسه كمال جسيم ونفع عظيم لو لم يحصل له غيره لكفاه بل هو قصر الاهتداء على من هداه الله تعالى حسبما يقضى به تعريف الخبر فالمعنى من يهده الله أى يخلق فيه الاهتداء على الوجه المذكور فهو المهتدى* لا غير كائنا من كان (وَمَنْ يُضْلِلْ) بأن لم يخلق فيه الاهتداء بل خلق فيه الضلالة لصرف اختياره نحوها* (فَأُولئِكَ) الموصوفون بالضلالة على الوجه المذكور (هُمُ الْخاسِرُونَ) أى الكاملون فى الخسران لا غير وإفراد المهتدى نظرا إلى لفظ من وجمع الخاسرين نظرا إلى معناها للإيذان باتحاد منهاج الهدى وتفرق