(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (١٨٤)
____________________________________
وأحكامه لا نفسه كما يلوح به تغيير التعبير بتوحيد الضمير مع ما فيه من الافتنان المنبىء عن مزيد الاعتناء بمضمون الكلام لابتنائه على تجديد القصد والعزيمة وأما إن ذلك للإشعار بأنه بمحض التقدير الإلهى والاستدراج بتوسط المدبرات فمبناه دلالة نون العظمة على الشركة وأنى ذلك وإلا لاحترز عن إيرادها فى قوله تعالى (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ) الآية بل إنما إيرادها فى أمثال* هذه الموارد بطريق الجريان على سنن الكبرياء (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) تقرير للوعيد وتأكيد له أى قوى لا يدافع بقوة ولا بحيلة والمراد به إما الاستدراج والإملاء مع نتيجتهما التى هى الأخذ الشديد على غرة فتسميته كيدا لما أن ظاهره لطف وباطنه قهر وإما نفس ذلك الأخذ فقط فالتسمية لكون مقدماته كذلك وأما أن حقيقة الكيد هو الأخذ على خفاء من غير أن يعتبر فيه إظهار خلاف ما أبطنه فمما لا تعويل عليه مع عدم مناسبته للمقام ضرورة استدعائه لاعتبار القيد المذكور حتما (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) كلام مبتدأ مسوق لإنكار عدم تفكرهم فى شأنه صلىاللهعليهوسلم وجهلهم بحقيقة حاله الموجبة للإيمان به وبما أنزل عليه من الآيات التى كذبوا بها والهمزة للإنكار والتعجيب والتوبيخ والواو للعطف على مقدر يستدعيه سباق النظم الكريم وسياقه وما إما استفهامية إنكارية فى محل الرفع بالابتداء والخبر بصاحبهم وإما نافية اسمها جنة وخبرها بصاحبهم والجنة من المصادر التى يراد بها الهيئة كالركبة والجلسة وتنكيرها للتقليل والتحقير والجملة معلقة لفعل التفكر لكونه من أفعال القلوب ومحلها على الوجهين النصب على نزع الجار أى أكذبوا بها ولم يتفكروا فى أى شىء من جنون ما كائن بصاحبهم الذى هو أعظم الأمة الهادية بالحق وعليه أنزلت تلك الآيات أو فى أنه ليس بصاحبهم شىء من جنة حتى يؤديهم التفكر فى ذلك إلى الوقوف على صدقه وصحة نبوته فيؤمنوا به وبما أنزل عليه من الآيات وقيل قد تم الكلام عند قوله تعالى (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) أى أكذبوا بها ولم يفعلوا التفكر ثم ابتدىء فقيل أى شىء بصاحبهم من جنة ما على طريقة الإنكار والتعجيب والتبكيت أو قيل ليس بصاحبهم شىء منها والتعبير عنه صلىاللهعليهوسلم بصاحبهم للإيذان بأن طول مصاحبتهم له صلىاللهعليهوسلم مما يطلعهم على نزاهته صلىاللهعليهوسلم عن شائبة ما ذكر ففيه تأكيد للنكير وتشديد له والتعرض لنفى الجنون عنه صلىاللهعليهوسلم مع وضوح استحالة ثبوته له صلىاللهعليهوسلم لما أن التكلم بما هو خارق لقضية العقول والعادات لا يصدر إلا عمن به مس من الجنون كيفما اتفق من غير أن يكون له أصل ومعنى أو عمن له تأييد إلهى بخبر به عن الأمور الغيبية وإذ ليس به صلىاللهعليهوسلم شائبة الأول تعين أنه صلىاللهعليهوسلم مؤيد من عند الله تعالى وقيل إنه صلىاللهعليهوسلم علا الصفا ليلا فجعل يدعو قريشا فخذا فخذا يحذرهم بأس الله تعالى فقال قائلهم إن صاحبكم هذا لمجنون بات يهوت إلى الصباح فنزلت فالتصريح بنفى الجنون حينئذ للرد على عظيمتهم الشنعاء* والتعبير عنه صلىاللهعليهوسلم بصاحبهم وارد على شاكلة كلامهم مع ما فيه من النكتة المذكورة وقوله تعالى (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) جملة مقررة لمضمون ما قبلها ومبينة لحقيقة حاله صلىاللهعليهوسلم على منهاج قوله تعالى (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) بعد قوله تعالى (ما هذا بَشَراً) أى ما هو صلىاللهعليهوسلم إلا مبالغ فى الإنذار مظهر له غاية الإظهار إبراز لكمال الرأفة