(وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ) (٦١)
____________________________________
القردة والخنازير وقرىء عبد الطاغوت بالجر عطفا على من بناء على أنه مجرور بتقدير المضاف وقد قيل إن من مجرور على أنه بدل من شر على أحد الوجهين المذكورين فى تقدير المضاف وأنت خبير بأن ذلك مع اقتضائه إخلاء النظم الكريم عن المزايا المذكورة بالمرة مما لا سبيل إليه قطعا ضرورة أن المقصود الأصلى ليس مضمون الجملة الاستفهامية بل هو كما مر مقدمة سيقت أمام المقصود لهزؤ المخاطبين وتوجيه أذهانهم نحو تلقى ما يلقى إليهم عقيبها بجملة خبرية موافقة فى الكيفية للسؤال الناشىء عنها وهو المقصود إفادته وعليه يدور ذلك الإلزام والتبكيت حسبما شرح فإذا جعل الموصول بما فى حيز صلته من تتمة الجملة الاستفهاميه فأين الذى يلقى إليهم عقيبها جوابا عما نشأ منها من السؤال ليحصل به الإلزام والتبكيت وأما الجملة الآتية فبمعزل من صلاحية الجواب كيف لا ولا بد من موافقته فى الكيفية للسؤال الناشىء عن الجملة الاستفهامية وقد عرفت أن السؤال الناشىء عنها يستدعى وقوع الشر من تتمة المخبر عنه لا خبرا كما فى الجملة المذكورة وسيتضح ذلك مزيد اتضاح بإذن الله تعالى والمراد بالطاغوت العجل وقيل هو الكهنة وكل من أطاعوه فى معصية الله عزوجل فيعم الحكم دين النصارى أيضا ويتضح وجه تأخير ذكر عبادته عن العقوبات المذكورة إذ لو قدمت عليها لتوهم اشتراك الفريقين فى تلك العقوبات ولما كان مآل ما ذكر بصدد التبكيت أن ما هو شر مما نقموه دينهم أو أن من هو شر من أهل ما نقموه أنفسهم بحسب ما قدر من المضافين وكانت الشرية على كلا الوجهين من تتمة الموضوع غير مقصودة الإثبات لدينهم أو لأنفسهم عقب ذلك بإثباتها لهم على وجه يشعر بعلية ما ذكر من القبائح لثبوتها لهم بجملة مستأنفة مسوقة من جهته سبحانه شهادة عليهم بكمال الشرارة والضلال أو داخلة تحت الأمر تأكيدا* للإلزام وتشديدا للتبكيت فقيل (أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً) فاسم الإشارة عبارة عمن ذكرت صفاتهم الخبيثة وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم فى الشرارة أى أولئك الموصوفون بتلك القبائح والفضائح* شر مكانهم جعل مكانا شرا ليكون أبلغ فى الدلالة على شرارتهم وقيل شر مكانا أى منصرفا (وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) عطف على شر مقرر له أى أكثر ضلالا عن الطريق المستقيم وفيه دلالة على كون دينهم شرا محضا بعيدا عن الحق لأن ما يسلكونه من الطريق دينهم فإذا كانوا أضل كان دينهم ضلالا بينا لا غاية وراءه وصيغة التفضيل فى الموضعين للزيادة مطلقا لا بالإضافة إلى من يشاركهم فى أصل الشرارة والضلال (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا) نزلت فى ناس من اليهود كانوا يدخلون على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويظهرون له الإيمان نفاقا فالخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم والجمع للتعظيم أوله مع من عنده من المسلمين أى إذا جاءوكم* أظهروا الإسلام (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) أى يخرجون من عندك ملتبسين بالكفر كما دخلوا لم يؤثر فيهم ما سمعوا منك والجملتان حالان من فاعل قالوا وبالكفر وبه حالان من فاعل دخلوا