(تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (٨٠) وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (٨١)
____________________________________
نوعية لا شخصية فلا يقدح وصفه بالفعل الماضى فى تعلق النهى به لما أن متعلق الفعل إنما هو فرد من أفراد ما يتعلق به النهى والانتهاء من مطلق المنكر باعتبار تحققه فى ضمن أى فرد كان من أفراده على أن المضى المعتبر فى الصفة إنما هو بالنسبة إلى زمان النزول لا إلى زمان النهى حتى يلزم كون النهى بعد الفعل فلا حاجة إلى تقدير المعاودة أو المثل أو جعل الفعل عبارة عن الإرادة على أن المعاودة كالنهى لا تتعلق بالمنكر المفعول فلا بد من المصير إلى أحد ما ذكر من الوجهين أو إلى تقدير المثل أو إلى جعل الفعل عبارة* عن إرادته وفى كل ذلك تعسف لا يخفى (لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) تقبيح لسوء أعمالهم وتعجيب منه بالتوكيد القسمى كيف لا وقد أداهم إلى ما شرح من اللعن الكبير وليس فى تسببه بذلك دلالة على خروج كفرهم عن السببية مع الإشارة إلى سببيته له فيما سبق من قوله تعالى (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) فإن إجراء الحكم على الموصول مشعر بعلية ما فى حيز الصلة له لما أن ما ذكر فى حيز السببية مشتمل على كفرهم أيضا (تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ) أى من أهل الكتاب ككعب بن الأشرف وأضرابه حيث خرجوا إلى مشركى مكة ليتفقوا على محاربة* النبى صلىاللهعليهوسلم والرؤية بصرية وقوله تعالى (يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) حال من كثيرا لكونه موصوفا أى يوالون المشركين بغضا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين وقيل من منافقى أهل الكتاب يتولون اليهود وهو* قول ابن عباس رضى الله عنهما ومجاهد والحسن وقيل يوالون المشركين ويصافونهم (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ) لبئس شيئا قدموا ليردوا عليه يوم القيامة (أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ) هو المخصوص بالذم على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه تنبيها على كمال التعلق والارتباط بينهما كأنهما شىء واحد ومبالغة فى الذم أى موجب سخطه تعالى ومحله الرفع على الابتداء والجملة قبله خبره والرابط عند من يشترطه هو العموم أو لا حاجة إليه لأن الجملة عين المبتدأ أو على أنه خبر لمبتدأ محذوف ينبىء عنه الجملة المتقدمة كأنه قيل ما هو أو أى شىء هو فقيل هو أن سخط الله عليهم وقيل المخصوص بالذم محذوف وما اسم تام معرفة فى محل رفع بالفاعلية لفعل الذم وقدمت لهم أنفسهم جملة فى محل الرفع على أنها صفة للمخصوص بالذم قائمة مقامه والتقدير لبئس الشىء شىء قدمته لهم أنفسهم فقوله تعالى (أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ) بدل من شىء المحذوف وهذا مذهب سيبويه (وَفِي الْعَذابِ) أى عذاب جهنم (هُمْ خالِدُونَ) أبد الآبدين (وَلَوْ كانُوا) * أى الذين يتولون المشركين من أهل الكتاب (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ) أى نبيهم (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ) من* الكتاب أولو كان المنافقون يؤمنون بالله ونبينا إيمانا صحيحا (مَا اتَّخَذُوهُمْ) أى المشركين أو اليهود (أَوْلِياءَ) * فإن الإيمان بما ذكر وازع عن توليهم قطعا (وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ) خارجون عن الدين والإيمان بالله ونبيهم وكتابهم أو متمردون فى النفاق مفرطون فيه.