(قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (١٠٢) ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (١٠٣)
____________________________________
للمساءة الواقعة فى نفس الأمر قبل السؤال كسؤال من قال أين أبى لا عما يعمها وغيرها مما ليس بواقع لكنه محتمل للوقوع عند المكلفين حتى يلزم التخلف فى صورة عدم الوقوع وجملة الكلام أن مدلول النظم الكريم بطريق العبارة إنما هو النهى عن السؤال عن الأشياء التى يوجب إبداؤها المساءة البتة إما بأن تكون تلك الأشياء بعرضية الوقوع فتبدى عند السؤال بطريق الإنشاء عقوبة وتشديدا كما فى صورة كونها من قبيل التكاليف الشافة وإما بأن تكون واقعة فى نفس الأمر قبل السؤال فتبدى عنده بطريق الإخبار بها فالتخلف ممتنع فى الصورتين معا ومنشأ توهمه عدم الفرق بين للنهى عنه وبين غيره بناء على عدم امتياز ما هو موجود أو بعرضية الوجود من تلك الأشياء فى نفس الأمر وما ليس كذلك عند المكلفين وملاحظتهم للكل باحتمال الوجود والعدم وفائدة هذا الإبهام الانتهاء عن السؤال عن تلك* الأشياء على الإطلاق حذار إبداء المكروه (وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) اعتراض تذييلى مقرر لعفوه تعالى أى مبالغ فى مغفرة الذنوب والإغضاء عن المعاصى ولذلك عفا عنكم ولم يؤاخذكم بعقوبة ما فرط منكم (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ) أى سألوا هذه المسألة لكن لا عينها بل مثلها فى كونها محظورة ومستتبعة للوبال وعدم* التصريح بالمثل للمبالغة فى التحذير (مِنْ قَبْلِكُمْ) متعلق بسألها (ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها) أى بسببها أو بمرجوعها (كافِرِينَ) فإن بنى إسرائيل كانوا يستفتون أنبياءهم فى أشياء فإذا أمروا بها تركوها فهلكوا (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) رد وإبطال لما ابتدعه أهل الجاهلية حيث كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا أذنها أى شقوها وحرموا ركوبها ودرها ولا تطرد عن ماء ولا عن مرعى وكان يقول الرجل إذا قدمت من سفرى أو برئت من مرضى فناقتى سائبة وجعلها كالبحيرة فى تحريم الانتفاع بها وقيل كان الرجل إذا أعتق عبدا قال هو سائبة فلا عقل بينهما ولا ميراث وإذا ولدت الشاة أنثى فهى لهم وإن ولدت ذكرا فهو لآلهتهم وإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم وإذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى ومعنى ما جعل ما شرع وما وضع ولذلك عدى إلى مفعول واحد هو بحيرة وما عطف عليها ومن مزيدة لتأكيد النفى فإن الجعل التكوينى كما يجىء تارة متعديا إلى مفعولين وأخرى إلى واحد كذلك الجعل التشريعى يجىء مرة متعديا إلى مفعولين كما فى قوله تعالى (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) وأخرى إلى واحد كما فى الآية الكريمة (وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) حيث يفعلون ما يفعلون ويقولون الله أمرنا بهذا وإمامهم عمرو بن لحى فإنه أول من* فعل هذه الأفاعيل الباطلة هذا شأن رؤسائهم وكبرائهم (وَأَكْثَرُهُمْ) وهم أراذلهم الذين يتبعونهم من