(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٠٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٠٥)
____________________________________
معاصرى رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما يشهد به سياق النظم الكريم (لا يَعْقِلُونَ) أنه افتراء باطل حتى يخالفوهم* ويهتدوا إلى الحق بأنفسهم فيبقون فى أسر التقليد وهذا بيان لقصور عقولهم وعجزهم عن الاهتداء بأنفسهم وقوله عزوجل (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) أى للذين عبر عنهم بأكثرهم على سبيل الهداية والإرشاد (تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ) من الكتاب المبين للحلال والحرام (وَإِلَى الرَّسُولِ) الذى أنزل هو عليه لتقفوا على حقيقة* الحال وتميزوا الحرام من الحلال (قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) بيان لعنادهم واستعصائهم على الهدى* إلى الحق وانقيادهم للداعى إلى الضلال (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) قيل الواو للحال* دخلت عليها الهمزة للإنكار والتعجيب أى أحسبهم ذلك ولو كان آباؤهم جهلة ضالين وقيل للعطف على شرطية أخرى مقدرة قبلها وهو الأظهر والتقدير أحسبهم ذلك أو أيقولون هذا القول لو لم يكن آباؤهم لا يعقلون شيئا من الدين ولا يهتدون للصواب ولو كانوا لا يعلمون الخ وكلناهما فى موقع الحال أى أحسبهم ما وجدوا عليه آباءهم كائنين على كل حال مفروض وقد حذفت الأولى فى الباب حذفا مطردا لدلالة الثانية عليها دلالة واضحة كيف لا وأن الشىء إذا تحقق عند المانع فلأن يتحقق عند عدمه أولى كما فى قولك أحسن إلى فلان وإن أساء إليك أى أحسن إليه إن لم يسىء إليك وإن أساء أى أحسن إليه كائنا على كل حال مفروض وقد حذفت الأولى لدلالة الثانية عليها دلالة ظاهرة إذ الإحسان حيث أمر به عند المانع فلأن يؤمر به عند عدمه أولى وعلى هذا السر يدور ما فى إن ولو الوصليتين من المبالغة والتأكيد وجواب لو محذوف لدلالة ما سبق عليه أى لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون حسبهم ذلك أو يقولون ذلك وما فى لو من معنى الامتناع والاستبعاد إنما هو بالنظر إلى زعمهم لا إلى نفس الأمر وفائدته المبالغة فى الإنكار والتعجيب ببيان أن ما قالوه موجب للإنكار والتعجيب إذا كان كون آبائهم جهلة ضالين فى حيز الاحتمال البعيد فكيف إذا كان ذلك واقعا لا ريب فيه وقيل مآل الوجهين واحد لأن الجملة المقدرة حال فكذا ما عطف عليها وأنت خبير بأن الحال على الوجه الأخير مجموع الجملتين لا الأخيرة فقط وأن الواو للعطف لا للحال وقد مر التحقيق فى قوله تعالى (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) فتدبر (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أى ألزموا أمر أنفسكم وإصلاحها وقرىء بالرفع على الابتداء أى واجبة عليكم أنفسكم وقوله عزوجل (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) إما مجزوم على أنه جواب للأمر أو نهى مؤكد له وإنما* ضمت الراء اتباعا لضمة الضاد المنقولة إليها من الراء المدغمة إذ الأصل لا يضرركم ويؤيده القراءة بفتح الراء وقراءة من قرأ لا يضركم بكسر الضاد وضمها من ضاره يضيره ويضوره وإما مرفوع على أنه كلام