(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ) (١٠٦)
____________________________________
مستأنف فى موقع التعليل لما قبله ويعضده قراءة من قرأ لا يضيركم أى لا يضركم ضلال من ضل إذا كنتم مهتدين ولا يتوهمن أن فيه رخصة فى ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مع استطاعتهما كيف لا ومن جملة الاهتداء أن ينكر على المنكر حسبما تفى به الطاقة قال صلىاللهعليهوسلم من رأى منكم منكرا فاستطاع أن يغيره فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وقد روى أن الصديق رضى الله تعالى عنه قال يوما على المنبر يأيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها غير موضعها ولا تدرون ما هى وإنى سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه عمهم الله بعقاب فأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ولا تغتروا بقول الله عزوجل يأيها الذين آمنوا الخ فيقول أحدكم على نفسى والله لتأمرن بالمعروف وتنهن عن المنكر أو ليستعملن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم ليدعون خياركم فلا يستجاب لهم وعنه صلىاللهعليهوسلم ما من قوم عمل فيهم منكر أو سن فيهم قبيح فلم يغيروه ولم ينكروه إلا وحق على الله تعالى أن يعمهم بالعقوبة جميعا ثم لا يستجاب لهم والآية نزلت لما كان المؤمنون يتحسرون على الكفرة وكانوا يتمنون إيمانهم وهم من الضلال بحيث لا يكادون يرعوون عنه بالأمر والنهى وقيل كان الرجل إذا أسلم لاموه وقالوا له سفهت آباءك وضللتهم أى نسبتهم إلى السفاهة والضلال* فنزلت تسلية له بأن ضلال آبائه لا يضره ولا يشينه (إِلَى اللهِ) لا إلى أحد سواه (مَرْجِعُكُمْ) رجوعكم* يوم القيامة (جَمِيعاً) بحيث لا يتخلف عنه أحد من المهتدين وغيرهم (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فى الدنيا من أعمال الهداية والضلال فهو وعد ووعيد للفريقين وتنبيه على أن أحدا لا يؤاخذ بعمل غيره (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) استئناف مسوق لبيان الأحكام المتعلقة بأمور دنياهم إثر بيان الأحوال المتعلقة بأمور* دينهم وتصديره بحر فى النداء والتنبيه لإظهار كمال العناية بمضمونه وقوله عزوجل (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) بالرفع والإضافة إلى الظرف توسعا إما باعتبار جريانها بينهم أو باعتبار تعلقها بما يجرى بينهم من الخصومات* مبتدأ وقوله تعالى (إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) أى شارفه وظهرت علائمه ظرف لها وتقديم المفعول لإفادة كمال تمكن الفاعل عند النفس وقت وروده عليها فإنه أدخل فى تهوين أمر الموت وقوله تعالى* (حِينَ الْوَصِيَّةِ) بدل منه لا ظرف للموت كما توهم ولا لحضوره كما قيل فإن فى الإبدال تنبيها على أن الوصية* من المهمات المقررة التى لا ينبغى أن يتهاون بها المسلم ويذهل عنها وقوله تعالى (اثْنانِ) خبر للمبتدأ بتقدير المضاف أى شهادة بينكم حينئذ شهادة اثنين أو فاعل شهادة بينكم على أن خبرها محذوف أى فيما نزل عليكم أن يشهد بينكم اثنان وقرىء شهادة بالرفع والتنوين والإعراب كما سبق وقرىء شهادة بالنصب